وكشفت عن وجهها الخلاب والخادع ، ويجد أنَّ كل شيء حسب ما يرام ، في هذا الوقت يصدر أمر الله بالعذاب ليلاً أو نهاراً لتتدمر بذلك كل الآمال والزحمات ، بحيث تبدو الدنيا لم تكن شيئاً مذكوراً.
إنّ كلمة «أمْرُنَا» في الآية الشريفة تدعونا للدقة والتأمل الوافر من حيث إنّها تضمُّ موارد ومصاديق كثيرة وتشمل كل أنواع العذاب الذي يصدر من الله.
نشير إلى بعض من تلك المصاديق.
١ ـ قد تؤمر مجموعة من الحيوانات تبدو كأنها ضعيفة مثل الجراد ، فتؤمر الجراد لتهجم على مزرعة بشكل كتلة ، لم تبقِ منها شيئاً إلّا أكلته أو دمرته ، كما يحصل ذلك بين الحين والآخر في بعض الدول.
٢ ـ وقد يلقى هذا الأمر على عاتق السموم من الرياح ، فيؤمر بتنفيذ مهمة العذاب الإلهي ، وهو عند ما يمرّ بشيء يسمّه ويجفّفه ، بحيث إذا مرّ من مزرعة أبدلها إلى رماد يذهب مع الريح.
٣ ـ وقد يتكفل بتنفيذ المهام الإلهية موجود هو أخطر من ريح السموم ، مثل الصاعقة (١) التي تدمّر كل شيء تصطدم به مثل الجبال والاشجار والانعام والناس ، أو مثل موجودات أخرى نشير إليها في البحوث المقبلة.
هناك نقطة مثيرة تضّمنتها عبارة (لَيْلاً أوْ نَهَارَاً) وهي أنَّ الإنسان لا خيار له غير التسليم والخضوع للعذاب الإلهي. ولا يفرق في ذلك الليل والنهار ولا يتصّور أن الإنسان سوف يخضع للعذاب في الليل باعتباره مسلوب القدرة آنذاك ، بل انَّ العذاب إذا نزل سيستسلم له الإنسان سواء كان نازلاً في الليل أو في النهار.
(فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدَاً كَأنْ لَمْ تَغْنَ بالأمْسِ) أي عند ما يصدر أمر بالعذاب تتهدم ممتلكات الإنسان وتدمّر مزارعه في آن ، بحيث لا تبدو الأرض وكأنها كانت مزروعة قبل لحظات ، بل تبدّل إلى كومة من الرماد.
(كَذَلك نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) أي أنَّ اهداف هذا المثل لا يدركها إلّا الذين
__________________
(١) لقد مرَّ التعريف العلمي للصاعقة وفرقها مع الرعد والبرق في البحوث السابقة.