(قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ)(١)
المخاطَب في هذه الآيات تارةً هم اليهود والنصارى حيث يأمر الله تعالى نبيّه الكريم بأن يقول لهم أن يأتوا بدليل وبرهان على صدق مدّعياتهم (من قبيل أنه لا يرد أحد غيرهم الجنّة).
وتارةً اخرى يكون المخاطب هم المشركون الذين يدّعون ادعاءات زائفة في شأن الأصنام ، فهؤلاء يجب عليهم أن يقدّموا الدليل العقلي على دعواهم وإلّا فلا يقبل منهم ما يقولون.
بل إنّ أحد الآيات هذه تشير إلى يوم القيامة أيضاً ، فهناك لو أن أحداً ادعى شيئاً يجب أن يكون ادعاؤه مقروناً بالدليل والبرهان.
وعلى هذا الأساس يستفاد من الآيات أعلاه أنه لا بدّ لكلّ قوم وأتباع كلّ مذهب أن يأتوا بالدليل على أفكارهم وعقائدهم (٢) ، وهذه الثقافة القرآنية الراقية إذا تمّ تجسيدها على مستوى الممارسة والعمل فإنّ من شأنها أن تقف حائلاً أمام الخرافات والأفكار الزائفة
__________________
(١) جاءت هذه الجملة في الآيات ١١١ من سورة البقرة ، و ٢٤ من سورة الأنبياء ، و ٦٤ من سورة النمل ، و ٧٥ من سورة القصص.
(٢) سؤال : كيف يرجع الناس إلى العلماء والمراجع في مسائلهم الدينية من دون المطالبة بالدليل بل يجب عليهم اتّباعهم في الفتوى حتّى لو لم يقيموا لهم دليلاً على فتواهم؟
الجواب : إن الدليل يكون على نحوين : (أ) الدليل التفصيلي ، (ب) الدليل الإجمالي ، وبالنسبة إلى اصول الدين والاعتقادات فلا بدّ من الدليل التفصيلي بما يناسب حال المسلم ووضعه العلمي ، وعليه أن يعتقد بالاصول من قبيل التوحيد والنبوّة والإمامة والمعاد عن دليل وبرهان ، ولكن في فروع الدين لا حاجة إلى الدليل التفصيلي بل لا يمكنه ذلك لأنه يستغرق من كلّ شخص عشرات السنين من البحث والدرس في الحوزات العلمية وترك الأعمال الاخرى ممّا يستلزم انهدام النظم في المجتمع ، وعليه فكما أن المريض يجب أن يراجع الطبيب الملتزم والمتخصص ليصف له الدواء من دون حاجة إلى الدليل ، فكذلك في المسائل الدينية على المكلّف مراجعة الفقيه الذي قضى عمره في البحث والدرس والتحصيل في الحوزات العلمية وله تجربة كافية في استنباط الأحكام الشرعية ، ويتّصف بالعدالة والأمانة ولا يحتاج حينئذٍ إلى دليل لاثبات صحة الفتوى لكلّ حكم من الأحكام الشرعية ، والنتيجة أن الناس في تقليدهم للفقهاء لا يرجعون إليهم بدون دليل ، بل يوجد دليل اجمالي وهو لزوم رجوع الجاهل إلى العالم.