الْمَفْتُونُ. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) (١). يعنى : ضل فقال عن الرسول : إنه مجنون ، وعن القرآن : إنه سحر مبين .. فلما جاء (أفعل) مع المضارع فى الأنعام انقطعت مظنة الضلال إلى الله تعالى ، كما هو جائز فى المعنى إذا استعمل مع الماضى ، فصار معنى الآية فى الأنعام : إن الله أعلم بمن يضلون عن طريقه فى المستقبل ، فصار ورود أفعل مع المضارع اتباعا للسياق ، وقطعا لمعنى الإضافة المؤكد فى استعمالها مع الماضى كما هو الغالب فى لغة العرب ، فلما استعمله مع الماضى فى سورة القلم استعمله مع الباء ، إذ لو لم تذكر الباء لصار المعنى أنه تعالى أعلم الضالين عن سبيله ، وتعالى الله علوا كبيرا.
فانظر كيف خالف الغالب من لغة العرب فى الأنعام ، ولم يزد حرفا لا معنى لزيادته مع فعل المستقبل حفظا للقرآن من الحشو ، وكيف كان الاحتياط للمعنى فى سورة القلم حينما تعارض المعنى مع الاستعمال اللغوى الشائع فى لغة العرب ، فلم تكن الباء زائدة فى سورة القلم. ولهذا عقب الكرمانى على كلامه هنا بقوله : «فتنبه فإنه من أسرار القرآن».
ثم انظر كيف يستعمل الكتاب والباحثون كلمتى (ينفع ويضر) مقترنتين بتقديم أيهما شاءوا ، وليس فى ذلك خلل فى معانيهم على أى حال ، ولكن كتابا لا يقدم النفع على الضر ، أو الضر على النفع إلّا لأن السياق و (هندسة النظم) و (والتركيب الكيميائى) و (الإبداع الجمالى) يدعو إلى ذلك ، بحيث لا تجد نشازا فى التركيب لا لفظا ولا معنى ـ هذا الكتاب لم نعثر عليه إلى الآن إلّا فيما بين دفتى كتاب الله العزيز الحكيم الذى لا يأتيه الباطل أبدا.
جاء فى سورة الأعراف : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ) (٢) وعلى هذا الترتيب جاءت آيات فى سورة : الرعد ،
__________________
(١) سورة القلم : ٥ ـ ٧.
(٢) سورة الأعراف : ١٨٨.