محسوب حسابه في التناسق الكوني ، كالأحداث العظام الضخام!
وهذا العود البري النابت وحده هناك في الصحراء. إنه هو الآخر قائم هناك بقدر. وهو يؤدى وظيفة ترتبط بالوجود كله منذ كان ، وهذه النملة الساربة. وهذه الهباءة الطائرة. وهذه الخلية السابحة في الماء. كالأفلاك والأجرام الهائلة سواء!
تقدير في الزمان ، وتقدير في المكان ، وتقدير في المقدار ، وتقدير في الصورة. وتناسق مطلق بين جميع الملابسات والأحوال.
من ذا الذي يذكر مثلا أن زواج يعقوب من امرأة أخرى هي أم يوسف وبنيامين أخيه لم يكن إلا حادثا شخصيا فرديا؟ إنما كان قدرا مقدورا ليحقد إخوة يوسف من غير أمه عليه ، فيأخذوه فيلقوه في الجب ـ ولا يقتلوه ـ لتلتقطه السيارة. لتبيعه في مصر. لينشأ في قصر العزيز. لتراوده امرأة العزيز عن نفسه. ليستعلي على الإغراء. ليلقى في السجن ... لماذا؟ ليتلاقى في السجن مع خادمي الملك. ليفسر لهما الرؤيا ... لماذا؟ إلى تلك اللحظة لا يوجد جواب! ويقف ناس من الناس يسألون : لماذا؟ لماذا يا رب يتعذب يوسف؟ لماذا يا رب يتعذب يعقوب؟ لماذا يفقد هذا النبي بصره من الحزن؟ ولماذا يسام يوسف الطيب الزكي كل هذا الألم المنوع الأشكال؟ لماذا؟ ... ولأول مرة تجىء أول إجابة بعد أكثر من ربع قرن في العذاب. لأن القدر يعده ليتولى أمر مصر وشعبها والشعوب المجاورة في سني القحط السبعة! ثم ماذا؟ ثم ليستقدم أبويه وإخوته. ليكون من نسلهم شعب بني إسرائيل. ليضطهدهم فرعون. لينشأ من بينهم موسى ـ وما صاحب حياته من تقدير وتدبير ـ لتنشأ من وراء ذلك كله قضايا وأحداث وتيارات يعيش العالم فيها اليوم بكليته! وتؤثر في مجرى حياة العالم جميعه!
ومن ذا الذي يذكر مثلا أن زواج إبراهيم جد يعقوب من هاجر المصرية لم يكن إلا حادثا شخصيا فرديا؟ إنما كان وما سبقه في حياة إبراهيم من أحداث أدت إلى مغادرته موطنه في العراق ومروره بمصر ، ليأخذ منها هاجر ، لتلد له إسماعيل. ليسكن إسماعيل وأمه عند البيت الحرام. لينشأ محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من نسل إبراهيم ـ عليهالسلام ـ في هذه الجزيرة. أصلح مكان على وجه الأرض لرسالة الإسلام ... ليكون من ذلك كله ذلك الحدث الأكبر في تاريخ البشرية العام!
إنه قدر الله وراء طرف الخيط البعيد. لكل حادث. ولكل نشأة. ولكل مصير. ووراء كل نقطة ، وكل خطوة ، وكل تبديل أو تغيير.