سورة النبأ
مكية ، عدد آياتها ٤٠ آية
١ ـ ٥ ـ (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ...) النبأ هو الخبر العظيم الذي يكون له شأن وأهميّة ، والتعبير هنا تعبير سؤال واستفهام ، ولكنّ المراد به تفخيم الأمر الذي (يَتَساءَلُونَ) يسأل بعضهم بعضا عنه ، وقد أنزل الله تعالى ذلك لأنهم حين بعث محمد (ص) وأخبرهم بوجوب توحيد الله وبالعبادة وبالبعث والحساب ، وتلا عليهم القرآن ، تساءلوا متعجّبين ومنكرين ما جاء به النبيّ (ص) من أمر البعث بعد الموت بصورة خاصة. وقيل إن النبأ العظيم هو القرآن (الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) بين مصدّق ومكذّب. (كَلَّا) أي ليس الأمر كما يقولون و (سَيَعْلَمُونَ) عاقبة التكذيب بما جاء به محمّد (ص) حين ينكشف لهم أمر النبوّة (ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) أي حقّا سيعرفون ذلك ويرون ما يصيبهم يوم القيامة من العذاب.
٦ ـ ١٦ ـ (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً ، وَالْجِبالَ أَوْتاداً ...) أي أننا قادرون على البعث كما أننا خلقنا الأرض لكم وجعلناها وطاء وبساطا مهيأ للتصرّف بسهولة (وَ) جعلنا (الْجِبالَ أَوْتاداً) تمسك الأرض حتى لا تميد بأهلها (وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً) ذكرانا وإناثا وقيل : خلقناكم أشكالا متشابهة (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) أي جعلنا النوم لكم راحة لأجسادكم (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً) أي سترة تستترون بظلامه كما يستر أحدكم جسمه بالثياب (وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) أي وقتا تطلبون فيه العيش لكم (وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً) أي سبع سماوات قويّة محكمة الصّنع (وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً) وهو الشمس التي تتوهج وتتلألأ بالنور فتستضيئون به. (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً) أي أنزلنا من الرياح ذوات الأعاصير مطرا. (ثَجَّاجاً) يعني يندفع حين انصبابه. (لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً) أي لنبت بذلك الماء الحبّ الذي تزرعونه والعشب فقد جمع الله تعالى بين كلّ ما يخرج من الأرض من نبات الحبوب المختلفة.
١٧ ـ ٢٠ ـ (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً ...) أي أن اليوم الذي يفصل فيه الله تعالى بالحكم بين الخلائق هو موعد محدّد لما وعد به سبحانه من البعث والحساب والجزاء. (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) مرّ تفسيره (فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) فتجيئون جماعة جماعة حتى تكتملوا (وَفُتِحَتِ السَّماءُ) أي انشقّت لتنزل منها الملائكة (فَكانَتْ أَبْواباً) أي ذات أبواب وطرق (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً) أي أزيلت عن أماكنها ودكّت وصارت كالسراب يظن أنه جبال وليس كذلك.
٢١ ـ ٣٠ ـ (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً ...) أي هي محلّ رصد يرصد بها خزنتها الكفّار ليلقوهم فيها. وقيل يعني هي معدّة للكفّار ، والطاغون هم الذين جاوزوا حدود الله وطغوا في معاصيه ، فجهنّم مرجعهم الذين يئوبون إليه في نهاية مطافهم (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) الحقب ثمانون سنة من سنيّ الآخرة كما عن قتادة. أي أنهم يبقون فيها حقبا بعد حقب حتى يبلغ ذلك زمانا كثيرا. ومن الأقوال ـ كما في المجمع ـ أن الله تعالى لم يجعل لأهل النار مدة ، بل قال : لابثين فيها أحقابا ، فو الله ما هو إلّا أنه إذا مضى حقب دخل آخر كذلك إلى أبد الآبدين. (لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً) أي لا يصادفهم برد يمنع عنهم حرّ جهنّم ، ولا شراب ينقع غلّتهم ويدفع عطشهم فيها. وقيل : البرد هو النوم. (إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً) سوى الماء الحارّ ، وصديد أهل النار ، (جَزاءً وِفاقاً) أي عقابا موافقا لكفرهم وشركهم (إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً) أي فعلنا بهم ذلك لأنهم لم يكونوا يتوقعون بعثا ولا محاسبة على كفرهم وشكرهم (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً) أي أنكروا ما جاءهم به رسلنا من البيّنات ، وقيل : يعني كذّبوا بالقرآن تكذيبا (وَكُلَّ شَيْءٍ) من أعمالهم وأعمال سائر المخلوقات (أَحْصَيْناهُ كِتاباً) أي أحصيناه في اللوح المحفوظ. (فَذُوقُوا) أي فيقال لأولئك الكفرة : ذوقوا العذاب الذي أنتم فيه (فَلَنْ نَزِيدَكُمْ) معه وبعده (إِلَّا عَذاباً) يزاد عليه كيلا ترتاحوا من ألمه.