١٢ ـ (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ ...) أي مطأطئي رؤوسهم من الذّلّ خجلا وندامة والمراد بالمجرمين بقرينة ذيل الآية خصوص المنكرين للمعاد فاللام فيه لا تخلو من معنى العهد ، أي هؤلاء الذين يجحدون المعاد ويقولون : أإذا ضللنا في الأرض ... إلخ. (عِنْدَ رَبِّهِمْ) في موقف القيامة عند عرض الأعمال ، (رَبَّنا أَبْصَرْنا) أي قائلين ربّنا أبصرنا ما وعدتنا (وَسَمِعْنا) منك تصديق رسلك (فَارْجِعْنا) إلى الدنيا (نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) إذ لم يبق لنا بعد هذا اليوم شكّ وشبهة بما شاهدناه.
١٣ ـ (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها ...) أي ما يهتدى به إلى الإيمان والعمل الصالح بالقسر والإلجاء أو بالتوفيق ، ولكنّه خلاف الاختيار في التكليف فلا نفعله (وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي) أي ثبت قضائي وسبق وعيدي (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) بسوء اختيارهم نسيان العاقبة وترك التفكّر فيها. والقول الذي حق وثبت منه هو قوله لإبليس عند ما امتنع من السجود لآدم : فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين.
١٤ ـ (فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا ...) يعني نتيجة ترك التذكّر والتدبّر ونسيان لقاء هذا اليوم هو أن تذوقوا العذاب الأليم ، (إِنَّا نَسِيناكُمْ) أي جازيناكم بنسيانكم أو تركناكم من رحمتنا (عَذابَ الْخُلْدِ) أي الدائم (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) من الكفر والمعاصي.
١٥ ـ (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا ... خَرُّوا سُجَّداً ...) أي كبّوا ووقعوا على وجوههم خضوعا وخشية لله تعالى (وَسَبَّحُوا) أي نزّهوا ربّهم عمّا لا يليق به (بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) أي متلبّسين به (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) عن عبادته.
١٦ ـ (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ ...) أي تتنحّى وتتباعد جنوبهم عن فرش نومهم واستراحتهم للتهجّد (خَوْفاً) من عذابه (وَطَمَعاً) في رحمته (يُنْفِقُونَ) في طريق الخير.
١٧ ـ (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ ...) أي لا يعلم أحد لا ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ما أعدّ الله لهم ، وللمتهجّدين والمنفقين في سبيل الخير (مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) أي ممّا لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) من صلاة ليلهم وإنفاق أموالهم.
١٨ ـ (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ...) هذا استفهام يراد به التقرير ، أي لا يكون من هو مصدّق بالله على الحقيقة عارفا به وأنبيائه وعاملا بما أوجبه الله عليه وندبه إليه ، مثل من هو فاسق خارج عن طاعة الله ، مرتكب لمعاصي الله في منزلة واحدة.
١٩ ـ (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً ...) أي جنات يأوون إليها هي عطاء خاص من الله لهم (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي جزاء لأعمالهم الصّالحة.
٢٠ ـ (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا ...) أي خرجوا عن طاعة الله بالكفر والمعاصي (فَمَأْواهُمُ النَّارُ) أي المكان الذي يأوون إليه يوم القيامة هو النار (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها) والإعادة عبارة عن خلودهم فيها ، (وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ) إهانة لهم وزيادة في غيظهم. (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) أي تجحدونه ولا تصدقون به. فإذا بلغوا أسفلها زفرت بهم جهنم فإذا بلغوا أعلاها قمعوا بمقامع الحديد فهذه حالهم.