٢٩ ـ (الَّذِينَ آمَنُوا ... طُوبى لَهُمْ ...) أي الذين صدّقوا بالله ورسوله وعملوا ما وجب عليهم من الطاعات. لهم طوبى : قيل هي شجرة في الجنة أصلها في داره (ص) وقد روي عن الصادق (ع) قوله : وليس من مؤمن إلّا وفي داره غصن منها لا يخطر على قلبه شهوة شيء إلّا أتاه به ذلك الغصن ، ولو أن راكبا مجدّا سار في ظلها مائة عام ما خرج منه ، ولو طار من أسفلها غراب ما بلغ أعلاها حتى يسقط هرما ، ألا ففي ذلك فارغبوا. وقيل طوبى : مصدر من الطيب وقيل هي مؤنث أطيب. (وَحُسْنُ مَآبٍ) أي المآل الحسن.
٣٠ ـ (كَذلِكَ ...) أي : كما أرسلنا الرّسل قبلك (أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ) مضت (مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ) كثيرة. (لِتَتْلُوَا) أي لتقرأ (عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) وهو القرآن. (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ) يعني : إليه توبتي ومآبي ورجوعي.
٣١ ـ (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) أي زعزعت عن مقارّها وأزيلت عن مواضعها بقراءة القرآن عليها (أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ) أي تشقّقت وتصدّعت (أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) بعد إحيائهم بقراءته عليهم ، فيسمعون ويجيبون. وجواب لو : محذوف ، والتقدير : لكان هذا القرآن. أو : لما آمنوا لفرط عنادهم (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) أي له تعالى القدرة الكاملة على كلّ شيء بما في ذلك إنزال الكتاب الذي تترتب عليه تلك الآثار. ولكن المصلحة اقتضت عدم الإنزال لأنه أعلم بما يفعل (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) : أفلم يعلموا أن هؤلاء المطالبين بالآية قد تصيبهم (بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ) من الكفر وسوء الأفعال؟. والقارعة هي المصيبة العظيمة التي تقرعهم (أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ) أي القارعة. فيفزعون من أن يصل إليهم شررها ،
٣٢ ـ (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ ... فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) : الإملاء أن يترك الإنسان ويمهل ملأة من الزمان في أمن ودعة حتى يطول الأمل ثم يؤخذ بغتة ، وهكذا فعلت مع الّذين كفروا (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) بالعذاب وأهلكتهم. (فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) للمعاندين للرّسل. وهذه الآية تسلية للرسول (ص) ووعيد للمستهزئين به والمقترحين عليه الآيات.
٣٣ ـ (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ ...) أي رقيب وحفيظ يسمع قولها ويراقب فعالها. (قُلْ سَمُّوهُمْ) : لا اسم من يستحقّون به الإلهية لأن الأصنام أحجار لا تعقل (أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ) تعرّفونه بشيء لا يعرفه ممّا (فِي الْأَرْضِ) من مخلوقاته (أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) إذ تسمّون معبوداتكم من الأوثان شركاء له من غير حقيقة واعتبار كأنّ الله تعالى لا يعلم حقيقة المسمّى الذي تدّعونه. وقد (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) لهم (مَكْرُهُمْ) كيدهم (وَصُدُّوا) ضاعوا (عَنِ السَّبِيلِ) الطريق الحق ، ومن كان هذا شأنه (فَما لَهُ مِنْ هادٍ) يدلّه على الصواب.
٣٤ ـ (لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ...) بالقتل والسبي وأخذ الأموال ، و (لَعَذابُ الْآخِرَةِ) سيكون عليهم (أَشَقُ) أي : أشدّ لدوامه وخلودهم فيه. ويؤمئذ ليس لهم (وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) أي دافع يدفع عنهم ويقيهم سخطه وغضبه.