٦ ـ (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ...) وذلك بأنهم سألوا رسول الله (ص) أن يأتيهم بالعذاب استهزاء منهم بقوله. والمعنى : يستعجلك يا محمد هؤلاء المشركون بالعذاب قبل الرحمة (وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) أي مضت قبلهم عقوبات أمثالهم من المكذّبين للرّسل كالخسف والمسخ والرجفة وغيرها (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) أي هو متجاوز عنهم بالرغم من الحالة التي هم عليها من المعاصي والآثام (وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) للمستحق وهذه الآية تضمنت مبدأ الترغيب والترهيب والخوف والرجاء.
٧ ـ (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ...) أي اقترحوا على النبيّ (ص) معجزة كعصا موسى وإحياء الموتى ونحوهما من المعاجز التي صدرت عن الأنبياء قبله (ص). فالله تعالى لم يعتن بما سألوه لاستلزامه العبث ويؤدي إلى ما لا نهاية بل قال (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ، وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) أي إنما أنت مخوّف من العقاب ومرشد لكل قوم إلى الحق والخير وليس بيدك إنزال الآيات والمعجزات.
٨ ـ (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى ...) أي أنه سبحانه يعلم حمل المرأة ذكرا كان أو أنثى أو سقطا لأنه يعلم ماذا خلق ، (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) أي ويعلم ما تنقص فتضع المولود أو تسقطه قبل تمام مدته (وَما تَزْدادُ) من حيث المدّة والخلقة وغيرهما (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) أي بقدر محدد على وفق الحكمة.
٩ ـ (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ...) أي عارف بما غاب عن حس العباد وبما يشاهدونه وعالم السر والعلانية والموجود والمعدوم. (الْكَبِيرُ) في قدرته وعلمه (الْمُتَعالِ) في شأنه وعظمته والمنزه عما يقوله المشركون في ذاته وصفاته وأفعاله.
١٠ ـ (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ ...) أي يستوي في علمه من أخفى شيئا في نفسه ومن أعلنه ، (وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ) أي طالب للخفاء فيه (وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) أي ذاهب في سربه متّبع طريقه علنا.
١١ ـ (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ ...) أي أنه سبحانه جعل للإنسان ملائكة يتعاقبون في حفظه ليلا ونهارا أمامه ووراءه ومن جميع جهاته بأمر الله سبحانه (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ) من عافية أو نعمة (حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) من الطاعة بالمعصية أو العكس. (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً) أي عذابا وبلاء (فَلا مَرَدَّ لَهُ) أي لا مدفع له (وَما لَهُمْ) للناس جميعا (مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ) مالك يقدر أن يلي أمورهم ويستطيع أن يرد السوء عنهم ويتولّى مصالحهم.
١٢ ـ (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً ...) أي أنه سبحانه يرسل البرق نذيرا لمن كان يخاف ضرر المطر والغيث ولذلك قال تعالى : (وَطَمَعاً) في نزول المطر لمن كان ينتظره أو يرغب فيه لزرعه وماشيته ونفسه. (وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ) أي ويخترع ويخلق الغيوم المثقلة بالماء ويرفعها من الأرض إلى طبقات الجو العليا.
١٣ ـ (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ ...) تسبيح الرعد دلالته على تنزيه الله ووجوب حمده فكأنه هو المسبح وروي أنّ النبيّ (ص) سئل عن الرعد فقال : ملك موكّل بالسحاب معه ، وعليه فالمعنى : أن الملك الموكل بالسحاب ينزه الله ويحمده وهو يزجر السحاب (وَ) هو الذي (يُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ) والصواعق : جمع صاعقة ، وهي النّار التي تسقط من السماء أثناء الرعد الشديد والبرق الخاطف ، وكلّ عذاب مهلك يقال له الصاعقة. (وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ) أي هؤلاء الجهلة يحاجّون ويخاصمون في قدرة الله مع ما يشاهدونه من الآيات (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) قويّ الكيد ، شديد القدرة والعذاب للمجادلين بالباطل.