٥٥ ـ (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ ...) هذا الخطاب للنبيّ (ص) ولكنّه موجّه لسائر المؤمنين ، يعني : أيها السامع لا ينبغي لك أن تعجب بحسن ما تراه من كثرة أموال المنافقين وكثرة أولادهم (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بأمرهم بالإنفاق في الزكاة والغزو فيدفعون كارهين ويتحمّلون مشقة في الدنيا ولا يرجون منها ثوابا في الآخرة. (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ) تهلك بالموت. (وَهُمْ كافِرُونَ) باقون على حالتهم من الكفر.
٥٦ ـ (وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ ...) أي يقسم المنافقون الأيمان أنهم أمثالكم لا يفرقون عنكم. (وَما هُمْ مِنْكُمْ) أي وليسوا مثلكم مؤمنين بالله ولا برسوله (وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) أي قوم يصيبهم انزعاج النفس من توقّع الضرر من القتل أو أخذ الأموال منهم أو الأسر إن هم لم يظهروا الإسلام.
٥٧ ـ (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً ...) أي يتمنى هؤلاء المنافقون أن يجدوا موضعا يتحصّنون فيه ، أو مغارات : جمع مغارة ، وهي الثقب الغائر في الجبل ، أو مدّخلا : والمدّخل المسلك الذي يدخل فيه الإنسان أو غيره ليتوارى به عن العيون (لَوَلَّوْا إِلَيْهِ) أي انصرفوا إليه (وَهُمْ يَجْمَحُونَ) يسرعون في الذهاب إلى ما يخلّصهم منكم.
٥٨ ـ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ ...) اللّمز هو العيب ، يعني أن من المنافقين من يعيبك ـ يا محمّد ـ ويطعن عليك في أمر الصدقات وتوزيع الغنائم نزلت يوم حنين في ابن أبي ذي الخويصرة رأس الخوارج فيما بعد. (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها) أي إذا منحوا من الصدقات (رَضُوا) اعترفوا بعدل التقسيم (وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها) وحرموا لعدم استحقاقهم (إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) أي يغضبون وينقمون ثم يعيبون التقسيم.
٥٩ ـ (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ...) أي : لو أن المنافقين الذين عابوا توزيع الصدقات قنعوا بما أعطاهم الله ورسوله منها (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ) يعني : يكفينا الله (سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ) أي سيعطينا الله من إنعامه ، ويعطينا رسوله من تفضّله (إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ) أي متوجّهون إليه بكليّتنا ، وقيل : راغبون في ثوابه وصرف عذابه.
٦٠ ـ (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ...) هذه الآية الكريمة تبيّن وجوه صرف زكاة الأموال. فهي تعطى للفقراء والمساكين ، والفرق بين الفقير والمسكين دقيق لا يكاد يعرّف وإن كانوا قد قالوا : إن الفقير هو المتعفّف الذي لا يسأل ، والمسكين هو الذي يسأل. وقيل غير ذلك (وَ) ل (الْعامِلِينَ عَلَيْها) أي السّعاة الذين يجبون الزكاة (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) الذين كان النبي (ص) يعطيهم من الزكاة ليتألّف قلوبهم ويرغّبهم في عدل الإسلام ، وليستعين بهم على قتال العدوّ. (وَ) تصرف أيضا (فِي الرِّقابِ) أي في فكها من الرق (وَ) في (الْغارِمِينَ) أي الذين ركبتهم الديون في غير معصية ولا إسراف ، (وَفِي سَبِيلِ اللهِ) يعني البذل للجهاد ، وعندنا تدخل فيه مصالح المسلمين من بناء مساجد وعقد جسور وغيرها (وَابْنِ السَّبِيلِ) المسافر الذي انقطع في بلاد الغربة يعطى منها ولو كان غنيّا في بلده. (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) أي واجبا مقدّرا. (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) مر معناه.
٦١ ـ (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ...) أي : ومن المنافقين جماعة يقولون أو يفعلون ما يجلب للنبي الأذية (وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) يعني أنه يدير أذنه ويصغي إلى كل ما يقال. فلهؤلاء (قُلْ) يا محمد : هو أذن خير يجلب للنبي الأذية (وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) يعني أنه يدير أذنه ويصغي إلى كل ما يقال. فلهؤلاء (قُلْ) يا محمد : هو (أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) أي يستمع إلى ما فيه خيركم كالوحي وغيره ، (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) فكونه أذنا لا يضرّ طالما هو يؤمن بالله ويصدّق المؤمنين فيما يقولونه له دون قول المنافقين ، (وَ) هو كذلك (رَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) لأنهم لم ينالوا الإيمان إلّا بهدايته (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ) (ص) ويزعجونه في قول أو فعل (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) موجع في الآخرة والدنيا أيضا.