٧ ـ (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ
عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ ...) أي كيف يكون لهم عهد محترم وهم أهل نقض ونكث للعهود؟ والاستفهام
للإنكار. (إِلَّا الَّذِينَ
عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) فلهم عهد لأنهم لم يخونك ولا أضمروا الغدر بك. (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ
فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) أي فما ثبتوا لكم على العهد فاثبتوا لهم وذلك أن الاستقامة
لمن استقام والسلم لمن يسالم من لوازم التقوى ولذلك علل قوله ذلك بقوله : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) الذين يتجنّبون نكث العهود.
٨ ـ (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا
يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً ...) أي كيف يكون لهم عهد ، وكيف لا تقتلونهم وهم ـ لو غلبوكم ـ
لا يراعون فيكم عهدا ولا قرابة وهي الإلّ. قال الراغب : الإلّ : كلّ حالة ظاهرة من
عهد حلف ، وقرابة تئلّ : تلمع فلا يمكن إنكاره ... وألّ الفرس : أسرع ، حقيقته لمع
، وذلك استعارة في باب الإسراع ، نحو برق وطار. (يُرْضُونَكُمْ
بِأَفْواهِهِمْ) أي يتكلّمون كلام المحبّين وهو الكلام المدلّس والقول
المزوّق المنمّق. لترضوا عنهم (وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ) ترفض كل شيء إلّا عداوتكم (وَأَكْثَرُهُمْ
فاسِقُونَ) ممعنون في الشّرك والعناد. وفيه بيان أن أكثرهم ناقضون
للعهد والميثاق بالفعل من غير أن ينتظروا ظهورهم جميعا عليكم ، فالآية توضح حال
آحادهم وجميعهم بأن أكثرهم فاسقون بنقض العهد.
٩ ـ (اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً
قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ ...)
أي : أعرضوا عن
دين الله وحججه ومنعوا الناس من الإيمان راضين بحطام الدنيا (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي بئس الحكم حكمهم ذاك.
١٠ ـ (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا
وَلا ذِمَّةً ...) مرّ تفسيره. (وَأُولئِكَ هُمُ
الْمُعْتَدُونَ) أي المتجاوزون الحدّ في كفرهم.
١١ ـ (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ ...) أي إذا أقلعوا عمّا هم فيه من الشّرك ونكث العهود ، وأسلموا
بإقامة الصلاة (وَآتَوُا الزَّكاةَ) أدّوها فهم إخوانكم في الدين عاملوهم معاملة إخوانكم من
المؤمنين وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة قرينة على أن المراد بالتوبة الإيمان بالله
وبآياته ، وذلك لأن هذين الأمرين من أظهر مظاهر عبادة الله وأقوى أركان المجتمع
الديني ، ويؤدي الأول إقامة الصلاة كما يؤدي الثاني إيتاء الزكاة ، وعندئذ فقد
يحصل التساوي بينهم وبين سائر المؤمنين في الحقوق التي يعتبرها الإسلام في المجتمع
الإسلامي ، لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين. (وَ) نحن (نُفَصِّلُ الْآياتِ) نبيّنها (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ذلك ويتفهّمونه لا للمعاندين والجهلة.
١٢ ـ (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ
بَعْدِ عَهْدِهِمْ ...) أي إذا نقضوا عهدهم من بعد أن عقدوه معكم (وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ) أي قدحوا فيه (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ
الْكُفْرِ) أي رؤساء الكفر (إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ
لَهُمْ) أي لا يحفظون عهدهم وقسمهم (لَعَلَّهُمْ
يَنْتَهُونَ) أي قاتلوهم لكي يمتنعوا عن الكفر.
١٣ ـ (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا
أَيْمانَهُمْ ...) أي هلّا تقاتلون ناكثي الأيمان وهم اليهود (وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ) من المدينة (وَهُمْ بَدَؤُكُمْ
أَوَّلَ مَرَّةٍ) بنقض العهود وبالقتال (أَتَخْشَوْنَهُمْ) أي أتخافونهم (فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ
تَخْشَوْهُ) أجدر بالخوف من عقابه بترك أمره (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي إذا كنتم مصدّقين به وبثوابه وعقابه. وفي هذه الآية وما
بعدها تحريض للمؤمنين وتهييج لهم على قتال المشركين ببيان ما أجرموا به في جنب
الله ، وخانوا به الحق وأهله ، وتعداد خطاياهم وصور طغيانهم من نكث الأيمان والهمّ
بإخراج الرسول والبدء بالقتال أول مرة.