قال ابن كثير : (والمراد بالمشرقين ههنا هو ما بين المشرق والمغرب ، وإنما استعمل ههنا تغليبا كما يقال : القمران والعمران والأبوان قاله ابن جرير وغيره) أقول : إن المغرب في حقنا مشرق في حق آخرين ، فالمشرق والمغرب في حقنا هو مغرب ومشرق في حق آخرين ، وهذا يعني أن بعد ما بين المشرق والمغرب في حقي هو بعد ما بين المشرق في حقي والمشرق في حق الآخر الذي تطلع عليه الشمس إذا غربت من عندي ، ومن ثم فالتعبير بلفظ المشرقين فيه إشارة خفية إلى ما ذكرناه ، وما قاله المفسرون فهم صحيح للنص ومطابق لاصطلاح العرب في الخطاب.
١٢ ـ بمناسبة قوله تعالى : (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ* أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ) قال ابن كثير : (أي : نحن قادرون على هذا وعلى هذا ، ولم يقبض الله تعالى رسوله صلىاللهعليهوسلم حتى أقر عينه من أعدائه ، وحكّمه في نواصيهم ، وملكه ما تضمنته صياصيهم ، هذا معنى قول السدي ، واختاره ابن جرير وروى ابن جرير عن معمر قال : تلا قتادة : (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) فقال : ذهب النبي صلىاللهعليهوسلم وبقيت النقمة ولم ير الله تبارك وتعالى نبيه صلىاللهعليهوسلم في أمته شيئا يكرهه حتى مضى ، ولم يكن نبي قط إلا وقد رأى العقوبة في أمته إلا نبيكم صلىاللهعليهوسلم ، قال : وذكر لنا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أري ما يصيب أمته من بعده فما رؤي ضاحكا منبسطا حتى قبضه الله عزوجل وذكر من رواية سعيد بن أبي عروة عن قتادة نحوه ، ثم روى ابن جرير عن الحسن نحو ذلك أيضا وفي الحديث : «النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون»).
ولننتقل إلى المقطع الثاني.
المقطع الثاني
ويمتدّ من الآية (٤٤) إلى نهاية الآية (٦٠) وهذا هو :
(وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (٤٤) وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن