بين أن يكون عبدا رسولا ـ وهو الذي يفعل ما يؤمر به وإنما هو قاسم يقسم بين الناس كما أمره الله تعالى به ـ وبين أن يكون نبيا ملكا ، يعطي من يشاء ، ويمنع من يشاء بلا حساب ولا جناح ، اختار المنزلة الأولى بعد ما استشار جبريل عليه الصلاة والسلام فقال له : تواضع فاختار المنزلة الأولى ، لأنها أرفع قدرا عند الله عزوجل ، وأعلى منزلة في المعاد وإن كانت المنزلة الثانية وهي النبوة مع الملك عظيمة أيضا في الدنيا والآخرة ، ولهذا لما ذكر تبارك وتعالى ما أعطى سليمان عليه الصلاة والسلام في الدنيا نبّه تعالى على أنه ذو حظ عظيم عند الله يوم القيامة أيضا فقال تعالى (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) أي في الدنيا والآخرة).
١٢ ـ ونختم الكلام عن داود وسليمان عليهماالسلام بذكر أن الذي نافس سليمان عليهالسلام على الملك هو أدونيّا أخوه الأكبر ، وقصة ذلك مذكورة في الإصحاح الأول والثاني من سفر الملوك الأول ، ونلاحظ في السفر الثاني ملاحظة : هو أن أدونيّا يطلب من أم سليمان أن تتوسط لدى سليمان أن يعطي سليمان أدونيا أبيشبح الشونمية امرأة له ، والظاهر أن أبيشبح الشونمية كانت امرأة لسليمان عليهالسلام ، وقد غضب سليمان ـ فيما ذكر الإصحاح ـ لهذا الطلب ، وأمر بقتل أخيه. فإذا صحّ أن أبيشبح كانت زوجة لسليمان ، وصح توسّط أم سليمان عند سليمان في ذلك ، فإنّ ذلك يدلّ على أنّه من المتعارف عندهم أن يتنازل بعضهم لبعض عن زوجاتهم. ومن ثمّ فإن قصة داود عليهالسلام كانت من هذا القبيل. وهذا الذي خرّج عليه النسفي الحادثة وهو تخريج مبني على الظن ، وأظن أنه لا حرج لو نقلنا ما قاله النسفي هنا بعد معرفة حدوده. قال النسفي : (روي أن أهل زمان داود عليهالسلام كان يسأل بعضهم بعضا أن ينزل له عن امرأته فيتزوجها إذا أعجبته ، وكان لهم عادة في المواساة بذلك ، وكان الأنصار يواسون المهاجرين بمثل ذلك ، فاتفق أن داود عليهالسلام وقعت عينه على امرأة أوريا فأحبها ، فسأله النزول له عنها ، فاستحيى أن يرده ففعل ، فتزوجها وهي أم سليمان ، فقيل له : إنك مع عظم منزلتك وكثرة نسائك لم يكن ينبغي لك أن تسأل رجلا ليس له إلا امرأة واحدة للنزول عنها لك ، بل كان الواجب عليك مغالبة هواك ، وقهر نفسك ، والصبر على ما امتحنت به ، وقيل خطبها أوريا ثم خطبها داود ، فآثره أهلها ، فكانت زلته أن خطب على خطبة أخيه المؤمن مع كثرة نسائه).
١٣ ـ في أسفار العهد القديم سفر اسمه سفر أيوب وهو سفر واضح الصنعة ،