قَلِيلاً) قللهم في أعينهم ليثبتوا (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) ليدفعهم إلى قتالكم (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) أي ليلقي بينكم وبينهم الحرب للنقمة ممن أراد الانتقام منه ، والإنعام على من أراد تمام النعمة عليه ، ومعنى هذا أنه تعالى أغرى كلا من الفريقين بالآخر لينصر حزبه (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) فيحكم بما يريد وقد حكم لأهل الإيمان.
كلمة في السياق :
سبق هذا المقطع بوعد من الله للمتقين أن يكافأهم ، بأن يجعل لهم فرقانا ، وقد اختلف المفسرون في معنى كلمة الفرقان كما رأينا ، ولكن المقطع نفسه يوضح ماهية الفرقان ، وخاتمة المقطع توضح ماهية الفرقان ، وتسمية يوم بدر بأنه يوم الفرقان يوضح كذلك ماهية هذا الفرقان.
وقد رأينا في المجموعة الأولى نموذجا على الفرقان : وهو إفساد كيد الكافرين لرسوله صلىاللهعليهوسلم ، وقد رأينا في المجموعة الثانية نموذجا على الفرقان بإضاعة مال الكافرين ، وغلبتهم ، وإدخالهم النار. وقد رأينا في المجموعة الثالثة نموذجا على الفرقان ، بما فعل الله للمسلمين يوم بدر حتى أعطاهم الفرقان ، وفي هذا المقطع تأتي أربعة أوامر.
الأمر الأول : أن يقول الرسول للكافرين (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ)
الأمر الثاني : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ..) وهو أعظم أوامر القتال في الإسلام وأبعدها غاية.
الأمر الثالث : أن يعلم المسلمون أن الله مولاهم.
والأمر الرابع : أن يعلم المسلمون حكم الله في الغنائم.
والأوامر الأربعة مهمة جدا في موضوع القتال ، وكلها تحتاج إلى تقوى ، وكلها تحتاج إلى معرفة بالله ، وثقة بوعده ، ومن ثم جاءت في خضم هذا المقطع المربي المهذب ، الذي أكثر الله فيه من ضرب الأمثلة.
الأمر الأول أمر بالتبليغ ، وللتبليغ مشقاته ، والأمر الثاني فيه تكليف بالسيطرة على العالم ولهذا مشقاته وعقباته ، والأمر الثالث أمر بالتوكل على الله ، والقلب فيه قد لا يواتي الإنسان ، والأمر الرابع في إعطاء أصحاب الحقوق حقوقهم في الغنيمة ، وهذا يحتاج إلى تقوى عظيمة ، ومن ثم كان هذا المقطع يرفع الهمم إلى التقوى كما يذكر