مَوازِينُهُ) أي هم الكفار فإنه لا إيمان لهم ليعتبر معه عمل. فلا يكون في ميزانهم خير فتخف موازينهم (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ) أي يجحدون بالآيات الحجج ، والظلم بها وضعها في غير موضعها أي جحودها وترك الانقياد لها.
نقول :
وقف صاحب الظلال وقفات كثيرة عند الآيات التي مرت معنا والتي تشكل مقدمة سورة الأعراف ، فأطنب وأجاد ـ رحمهالله ـ وهذه مقتطفات من كلامه عن الآيات ، وخاصة عند قوله تعالى (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ ..)
قال رحمهالله : «كتاب أنزل إليك للإنذار به والتذكير .. كتاب للصدع بما فيه من الحق ولمواجهة الناس بما لا يحبون ؛ ولمجابهة عقائد وتقاليد وارتباطات ؛ ولمعارضة نظم وأوضاع ومجتمعات. فالحرج في طريقه كثير ، والمشقة في الإنذار به قائمة لا يدرك ذلك ـ إلا من يقف بهذا الكتاب هذا الموقف ؛ وإلا من يعاني من الصدع به هذه المعاناة ؛ وإلا من يستهدف من التغيير الكامل الشامل في قواعد الحياة البشرية وجذورها ، وفي مظاهرها وفروعها ، ما كان يستهدفه حامل هذا الكتاب أول مرة ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ليواجه به الجاهلية الطاغية في الجزيرة العربية وفي الأرض كلها ..
وهذا الموقف ليس مقصورا على ما كان في الجزيرة العربية يومذاك ، وما كان في الأرض من حولها .. إن الإسلام ليس حادثا تاريخيا ، وقع مرة ، ثم مضى التاريخ وخلفه وراءه.
إن الإسلام مواجهة دائمة لهذه البشرية إلى يوم القيامة ... وهو يواجهها كما واجهها أول مرة ، كلما انحرفت هي وارتدت إلى مثل ما كانت فيه أول مرة : إن البشرية تنتكس بين فترة وأخرى وترجع إلى جاهليتها ـ وهذه هي «الرجعية» البائسة المرذولة ـ وعندئذ يتقدم الإسلام مرة أخرى ليؤدي دوره في انتشالها من هذه «الرجعية» مرة أخرى كذلك ؛ والأخذ بيدها في طريق التقدم والحضارة ؛ ويتعرض حامل دعوته والمنذر بكتابه للحرج الذي تعرض له الداعية الأول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهو يواجه البشرية بغير ما استكانت إليه من الارتكاس في وحل الجاهلية ، والغيبوبة في ظلامها الطاغي! ظلام التصورات. وظلام الشهوات. وظلام الطغيان والذل. وظلام