قوله : (ما قَدَّمَتْ يَداهُ). يجوز في «ما» أن تكون استفهامية معلقة ل «ينظر» على أنّه من النظر ، فتكون الجملة في موضع نصب على إسقاط الخافض ، وأن تكون موصولة مفعولة بها ، والنّظر بمعنى الانتظار ، أي : ينتظر الذي قدمت يداه.
قوله تعالى : (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً).
العامة : لا يدغمون تاء «كنت ترابا» قالوا : لأنّ الفاعل لا يحذف ، والإدغام يشبه الحذف ، وفي قوله تعالى : (وَيَقُولُ الْكافِرُ) وضع الظاهر موضع المضمر شهادة عليه بذلك.
فصل في نزول هذه الآية
قال مقاتل : نزل قوله تعالى : (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) في أبي سلمة بن عبد الأسد المخزوميّ. ويقول الكافر : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) في أخيه الأسود بن عبد الأسد (١).
وقال الثعلبي : سمعت أبا القاسم بن حبيب يقول : الكافر هنا إبليس ـ لعنة الله عليه ـ وذلك بأنه عاب آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ بأنه خلق من تراب ، وافتخر بأنه خلق من نار ، فإذا عاين يوم القيامة ما فيه آدم وبنوه من الثواب والراحة ، ورأى ما هو فيه من الشدة والعذاب ، تمنى أنه كان بمكان آدم ، فيقول : يا ليتني كنت ترابا ، قال : ورأيته في بعض التفاسير للقشيري أبي نصر.
روي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : «يحشر الخلق كلّهم من دابّة ، وطائر ، وإنسان ، ثمّ يقال للبهائم والطّير : كونوا ترابا ، عند ذلك يقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا» (٢).
وقيل : معنى (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) أي : لم أبعث.
وقال أبو الزناد : إذا قضي بين الناس ، وأمر بأهل الجنّة إلى الجنّة ، وأهل النّار إلى النار ، قيل لسائر الأمم ولو من الجن : عودوا ترابا ، فيعودون ترابا ، فعند ذلك يقول الكافر حين يراهم : يا ليتني كنت ترابا.
وقال ليث بن أبي سليم : مؤمنو الجنّ يعودون ترابا.
وقال عمر بن عبد العزيز والزّهريّ والكلبيّ ومجاهد : مؤمنو الجنّ حول الجنّة في ربض ورحاب وليسوا فيها ، وهذا أصح ، فإنهم مكلّفون : يثابون ويعاقبون كبني آدم.
روى الثعلبي عن أبي بن كعب ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من قرأ (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) سقاه الله تعالى برد الشّراب يوم القيامة» (٣).
__________________
(١) ينظر تفسير القرطبي (١٩ / ١٢٣).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٤١٩) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٠٧) ، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في «البعث».
(٣) تقدم تخريجه.