قال القرطبيّ (١) : «وهي قراءة ابن مسعود وأصحابه».
والباقون : بتخفيفها بعد ألف. وهما لغتان بمعنى واحد ، كالتعهّد والتّعاهد والتّظاهر والتّظهّر والتّصغّر والتّصاغر والتّحمّل والتّحامل والتّضاعف والتضعف والتّباعد والتبعّد ، قاله الفرّاء (٢).
وقال الأخفش : «تفاوت» أجود ؛ لأنهم يقولون : تفاوت الأمر ، ولا يكادون يقولون : «تفوت».
واختيار أبي عبيد : «تفوت» ، يقال : تفاوت الشيء إذا فات.
واحتج بما روي في الحديث : أنّ رجلا تفوّت على أبيه في ماله.
وقال عبد الرحمن بن أبي بكر : «أمثلي يتفوت عليه في ماله».
قال النحاس : وهذا مردود على أبي عبيد ، لأن «يتفوت» أي : يضاف في الحديث ، «تفاوت» في الآية أشبه ، كما يقال : تباين ، تفاوت الأمر إذا تباين ، أو تباعد ، أي : فات بعضها بعضا نقله القرطبي (٣).
وحكى أبو زيد : تفاوت الشّيء تفاوتا بضم الواو وفتحها وكسرها.
[والقياس](٤) : الضّمّ كالتقابل ، والفتح والكسر شاذان.
والتفاوت : عدم التناسب ؛ لأن بعض الأجزاء يفوت الآخر ، وهذه الجملة المنفية صفة لقوله : «طباقا» وأصلها : ما ترى فيهن ، فوضع مكان الضمير.
قوله : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ) تعظيما لخلقهن ، وتنبيها على سبب سلامتهن ، وهو أنه خلق الرحمن ، قاله الزمخشري (٥).
وظاهر هذا أنها صفة ل «طباقا» ، وقام الظاهر فيها مقام المضمر ، وهذا إنما يعرف في خبر المبتدأ ، وفي الصلة على خلاف فيهما وتفصيل.
وقال أبو حيّان (٦) : الظّاهر أنه مستأنف ، وليس بظاهر لانفلات الكلام بعضه من بعض ، و «خلق» مصدر مضاف لفاعله والمفعول محذوف ، أي : في خلق الرحمن السماوات ، أو كل مخلوق ، وهو أولى ليعم ، وإن كان السياق مرشدا للأول.
فصل في معنى الآية
والمعنى ما ترى في خلق الرحمن من اعوجاج ، ولا تناقض ، ولا تباين ، بل هي
__________________
(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ١٣٦.
(٢) ينظر : معاني القرآن ٣ / ١٧٠.
(٣) ينظر : القرطبي ١٨ / ١٣٦.
(٤) في أ : والأفصح.
(٥) ينظر : الكشاف ٤ / ٥٧٦.
(٦) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٢٩٢.