لكفرتم على فعل الشرط ، كما عطفته (ثُمَ) في قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ) وكذلك الواو الآخرة عاطفة لاستكبرتم على شهد شاهد ، وأما الواو في (وَشَهِدَ شاهِدٌ) فقد عطفت جملة قوله. شهد شاهد من بنى إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم : على جملة قوله (كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ) ونظيره قولك : إن أحسنت إليك وأسأت ، وأقبلت عليك وأعرضت عنى ، لم نتفق في أنك أخذت ضميمتين فعطفتهما على مثليهما ، والمعنى : قل أخبرونى إن اجتمع كون القرآن من عند الله مع كفركم به ، واجتمع شهادة أعلم بنى إسرائيل على نزول مثله وإيمانه به ، مع استكباركم عنه وعن الإيمان به ، ألستم أضل الناس وأظلمهم؟ وقد جعل الإيمان في قوله (فَآمَنَ) مسببا عن الشهادة على مثله ، لأنه لما علم أنّ مثله أنزل على موسى صلوات الله عليه ، وأنه من جنس الوحى وليس من كلام البشر ، وأنصف من نفسه فشهد عليه واعترف كان الإيمان نتيجة ذلك.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢) إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)(١٤)
(لِلَّذِينَ آمَنُوا) لأجلهم وهو كلام كفار مكة ، قالوا : عامّة من يتبع محمدا السقاط ، يعنون الفقراء مثل عمار وصهيب وابن مسعود ، فلو كان ما جاء به خيرا ما سبقنا إليه هؤلاء. وقيل : لما أسلمت جهينة ومزينة وأسلم وغفار : قالت بنو عامر وغطفان وأسد وأشجع : لو كان خيرا ما سبقنا إليه رعاء البهم. وقيل : إن أمة لعمر أسلمت ، فكان عمر يضر بها حتى يفتر ثم يقول لو لا أنى فترت لزدتك ضربا ، وكان كفار قريش يقولون : لو كان ما يدعو إليه محمد حقا ما سبقتنا إليه فلانة. وقيل : كان اليهود يقولونه عند إسلام عبد الله بن سلام وأصحابه. فإن قلت : لا بدّ من عامل في الظرف (١) في قوله (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ) ومن متعلق لقوله (فَسَيَقُولُونَ) وغير
__________________
(١) قال محمود : «لا بد من عامل الظرف وغير مستقيم أن يعمل فيه ... الخ» قال أحمد : إن لم يكن مانع من عمل فسيقولون في الظرف ألا تنافى دلالتى المضي والاستقبال ، فهذا غير مانع ، فان الاستقبال هاهنا إنما خرج مخرج الاشعار بدوام ما وقع ومضى ، لأن القوم قد حرموا الهداية وقالوا : هذا إفك قديم ، وأساطير الأولين