من فضة وزخرف ، وجعلنا لهم زخرفا ، أى : زينة من كل شيء. والزخرف : الزينة والذهب. ويجوز أن يكون الأصل : سقفا من فضة وزخرف ، يعنى : بعضها من فضة وبعضها من ذهب ، فنصب عطفا على محل (مِنْ فِضَّةٍ) وفي معناه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لو وزنت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء» (١) فإن قلت : فحين لم يوسع على الكافرين للفتنة التي كان يؤدّى إليها التوسعة عليهم من إطباق الناس على الكفر لحبهم الدنيا وتهالكهم عليها ، فهلا وسع على المسلمين ليطبق الناس على الإسلام؟ قلت : التوسعة عليهم مفسدة أيضا لما تؤدى إليه من الدخول في الإسلام لأجل الدنيا ، والدخول في الدين لأجل الدنيا من دين المنافقين (٢) ، فكانت الحكمة فيما دبر : حيث جعل في الفريقين أغنياء وفقراء ، وغلب الفقر على الغنى.
(وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ)(٣٩)
قرئ : ومن يعش ، بضم الشين وفتحها. والفرق بينهما أنه إذا حصلت الآفة في بصره قيل : عشى. وإذا نظر نظر العشى ولا آفة به قيل عشا. ونظيره : عرج ، لمن به الآفة (٣).
__________________
ـ الْخاسِرِينَ) وهو الأكثر. وقد يكون وجوده تقديرا معه وعلى ذلك الآية ، أى : لو وجد بسط الدنيا للكافر مقدرا ، لوجد مانعه عندنا وهو الاجتماع على الكفر مقدرا معه ، وكل ما أدى وجوده إلى وجود مانعه لا يوجد.
(١) فيه عبد الحميد بن سليمان وتابعه زكريا بن منظور. وقال الترمذي : وفي الباب عن أبى هريرة ، وحديثه عند البزار من حديث صالح مولى التوأمة عنه. ولفظه «ما أعطي كافرا منها شيئا» ورواه البيهقي في الشعب في الحادي والسبعين من رواية أبى معشر عن المقبري عنه وفي الباب عن ابن عباس. أخرجه أبو نعيم في الحلية. وفيه الحسن ابن عمارة وهو ضعيف جدا. وأخرجه القضاعي في مسند الشهاب من رواية مالك عن نافع عن ابن عمر ، بلفظ المصنف قال ابن طاهر : فيه على بن محمد بن أحمد بن أبى عوف عن أبى مصعب عنه ، لا أصل له من حديث ملك
(٢) قال محمود : «فحين لم يوسع على الكافرين للفتنة التي كان يؤدى إليها التوسعة من الاطباق على الكفر» فهلا وسع على المسلمين ليطبق الناس على الايمان؟ وأجاب بأن التوسعة عليهم مفسدة أيضا لما يؤدى إليه من الدخول في الإسلام لأجل الدنيا ، وذلك من دين المنافقين» قال أحمد : سؤال وجواب مبنيان على قاعدتين فاسدتين. إحداهما : تعليل أفعال الله تعالى ، والأخرى : أن الله تعالى أراد الإسلام من الخلق أجمعين. أما الأولى فقد أخرس الله السائل عنه بقوله (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) وأما الثانية فقد كفى الله المؤمنين الجواب عنه فيه بقوله (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً).
(٣) قال محمود : «يقال عشى بصره بكسر الشين إذا أصابته الآفة ...» قال أحمد : في هذه الآية نكتتان بديعتان ، إحداهما : الدلالة على أن النكرة الواقعة في سياق الشرط تفيد العموم ، وهي مسألة اضطرب فيها الأصوليون