في الآل يرفعها ويخفضها |
|
ريع يلوح كأنّه سحل (١) |
ومنه قولهم : كم ريع أرضك؟ وهو ارتفاعها. والآية : العلم وكانوا ممن يهتدون بالنجوم في أسفارهم. فاتخذوا في طرقهم أعلاما طوالا فعبثوا بذلك ، لأنهم كانوا مستغنين عنها بالنجوم. وعن مجاهد : بنوا بكل ريع بروج الحمام (٢). والمصانع : مآخذ الماء. وقيل : القصور المشيدة والحصون (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) ترجون الخلود في الدنيا. أو تشبه حالكم حال من يخلد. وفي حرف أبىّ : كأنكم. وقرئ تخلدون بضم التاء مخففا ومشددا (وَإِذا بَطَشْتُمْ) بسوط أو سيف كان ذلك ظلما وعلوا ، وقيل : الجبار الذي يقتل ويضرب على الغضب. وعن الحسن : تبادرون تعجيل العذاب ، لا تتثبتون متفكرين في العواقب.
(وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (١٣٢) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (١٣٣) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٣٤) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)(١٣٥)
بالغ في تنبيههم على نعم الله ، حيث أجملها ثم فصلها مستشهدا بعلمهم ، وذلك أنه أيقظهم عن سنة غفلتهم عنها حين قال (٣) (أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ) ثم عدّدها عليهم وعرّفهم المنعم بتعديد ما يعلمون من نعمته ، وأنه كما قدر أن يتفضل عليكم بهذه النعمة ، فهو قادر على الثواب والعقاب ، فاتقوه. ونحوه قوله تعالى (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ). فإن قلت : كيف قرن البنين بالأنعام؟ قلت : هم الذين يعينونهم على حفظها والقيام عليها.
(قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ (١٣٦) إِنْ هذا إِلاَّ
__________________
(١) للمسيب بن علس ، والآل : هو السراب. وقيل : الآل : ما في طرفى النهار وما في وسطه السراب. والريع بالكسر : الطريق والمرتفع من الأرض. والسحل : نوع أبيض من ثياب اليمن ، ولعل الضمير للظعائن ، أى : هي في الآل. أو في وقته : برفعها تارة وبخفضها أخرى ، ريع : أى طريق مرتفع تارة ، ومنخفض أخرى. أو مكان عال ترتفع بصعوده وتنخفض بالهبوط منه ، يلوح : أى يظهر من بعد ، كأنه ثياب بيض.
(٢) قال محمود : «كانوا يهتدون في أسفارهم بالنجوم ، فاتخذوا في طرقهم أعلاما فعبثوا بذلك ، إذ النجوم فيها غنية عنها. وقيل : المراد القصور المشيدة ، وقيل : بروج الحمام» قال أحمد : وتأويلها على القصور أظهر ، وقد ورد ذم ذلك على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم ، حيث وصف الكائنين آخر الزمان بأنهم يتطاولون في البنيان ، وما أحسن قول مالك رضى الله عنه : ولا يصلى الامام على شيء أرفع مما عليه أصحابه ، كالدكاك تكون مرتفعة في المحراب ارتفاعا كبيرا ، لأنهم يعبثون ، فعبر عن ترفعهم إلى المحراب على سبيل التكبر ومطاولتهم المأمومين بالعبث ، كتعبير هود صلوات الله عليه وسلامه عن ترفع قومه في البنيان بالعبث. وأما تأويل الآية على اتخاذهم الأعلام في الطرقات وقد كانت لهم بالنجوم كفاية ، ففيه بعد ، من حيث أن الحاجة تدعو إلى ذلك لغيم مطبق وما يجرى مجراه. ولو وضع هذا في زماننا اليوم لهذا المقصد لم يكن عبثا ، والله أعلم.
(٣) قوله «حين قال» لعله : حيث قال. (ع)