وقرئ : فتخطفه. بكسر الخاء والطاء. وبكسر التاء مع كسرهما ، وهي قراءة الحسن. وأصلها : تختطفه. وقرئ : الرياح.
(ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ)(٣٣)
تعظيم الشعائر ـ وهي الهدايا ، لأنها من معالم الحج ـ : أن يختارها عظام الأجرام حسانا سماتا غالية الأتمان ، ويترك المكاس في شرائها ، فقد كانوا يغالون في ثلاث ـ ويكرهون المكاس فيهنّ ـ : الهدى ، والأضحية ، والرقبة. وروى ابن عمر عن أبيه رضى الله عنهما أنه أهدى نجيبة طلبت منه بثلاثمائة دينار ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعها ويشترى بثمنها بدنا. فنهاه عن ذلك وقال : «بل أهدها (١)» وأهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بدنة ، فيها جمل لأبى جهل في أنفه برّة من ذهب (٢). وكان ابن عمر يسوق البدن مجللة بالقباطى (٣) فيتصدّق بلحومها وبجلالها (٤) ، ويعتقد أن طاعة الله في التقرّب بها وإهدائها إلى بيته المعظم أمر عظيم لا بدّ أن يقام به ويسارع فيه (فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) أى فإن تعظيمها من أفعال ذوى تقوى القلوب ، فحذفت هذه المضافات ، ولا يستقيم المعنى إلا بتقديرها ، لأنه لا بد من راجع من الجزاء
__________________
ـ التقسيم المقصود. والذي يظهر في تقرير التشبيهين غير ذلك ، فنقول : لما انقسمت حال الكافر إلى قسمين لا مزيد عليهما ، الأول منهما : المتذبذب والمتمادى على الشك وعدم التصميم على ضلالة واحدة ، فهذا القسم من المشركين مشبه بمن اختطفته الطير وتوزعته فلا يستولى طائر على مزعة منه إلا انتهبها منه آخر ، وذلك حال المذبذب لا يلوح له خيال إلا اتبعه ونزل عما كان عليه. والثاني : مشرك مصمم على معتقد باطل ، لو نشر بالمباشير لم يكع ولم يرجع لا سبيل إلى تشكيكه ولا مطمع في نقله عما هو عليه ، فهو فرح مبتهج لضلالته ، فهذا مشبه في إقراره على كفره باستقرار من هوت به الريح إلى واد سافل فاستقر فيه. ونظير تشبيهه بالاستقرار في الوادي السحيق الذي هو أبعد الأخباء عن السماء : وصف ضلاله بالبعد في قوله تعالى (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً) أى صمموا على ضلالهم فبعد رجوعهم إلى الحق ، فهذا تحقيق القسمين ، والله أعلم.
(١) تقدم الكلام عليه في أثناء سورة البقرة.
(٢) أخرجه إسحاق والبزار من حديث على. وفي الباب عن جابر قال كان جميع ما جاء به مائة بدنة فيها جمل في أنفه برة من فضة أخرجه الحاكم والطبراني من رواية زيد بن الحباب عن الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه عنه قال البخاري هذا خطأ من زيد. وإنما هو عن الثوري عن أبى إسحاق عن مجاهد مرسلا. وقد جاء عن مجاهد عن ابن عباس قال «أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هداياه جملا كان لأبى جهل في رأسه برة من ذهب ليغيظ به المشركين» أخرجه أبو داود والحاكم وأبو يعلى والطبراني.
(٣) قوله «مجللة بالقباطى» في الصحاح : القبط أهل مصر. والقبطية : ثياب بيض رقاق من كنان تتخذ بمصر والجمع قباطي. (ع)
(٤) أخرجه مالك في الموطأ عن نافع عنه بهذا وأتم منه. ورواه ابن أبى شيبة من طريق فليح عن نافع نحوه.