وقد جوز ابن عطية في : (مَنْ خَشِيَ) أن يكون نعتا لما تقدم (١). وهو مردود بما تقدم(٢). ويجوز أن يرتفع : من خشي على أنه خبر ابتداء مضمر (٣) أو ينصب بفعل مضمر (٤) ، وكلاهما على القطع المشعر بالمدح (٥) ، وأن يكون مبتدأ خبره قول مضمر ناصب لقوله : ادخلوها(٦) وحمل أولا على اللفظ وفي الثّاني على المعنى (٧).
وقيل : من خشي منادى حذف منه حرف النداء أي يا من خشي (٨) ادخلوها باعتبار الجملتين المتقدمتين وحذف حرف النداء سائغ (٩). وأن تكون شرطية وجوابها محذوف وهو ذلك القول ، ولكن ردّ معه فاء أي فيقال لهم (١٠). و (بِالْغَيْبِ) حال أي غائبا عنه ، فيحتمل أن يكون حالا من الفاعل أو المفعول (١١) أو منهما ، وقيل : الباء المسببة أي خشية بسبب الغيب الذي أوعد به من عذابه (١٢). ويجوز أن يكون صفة لمصدر خشي أي خشيه خشية ملتبسة بالغيب (١٣).
فصل
قال ابن الخطيب : إذا كان «من والذي» يشتركان في كونهما من الموصولات فلماذا لا يشتركان في جواز الوصف بهما؟
فنقول : «ما» اسم مبهم يقع على كل شيء فمفهومه هو شيء ، لكن الشيء هو أعم الأشياء فإن الجوهر شيء ، والعرض شيء ، والواجب شيء ، والممكن شيء ، والأعمّ قبل الأخص في الفهم لأنك إذا رأيت شيئا (١٤) من البعد تقول أولا : إنّه شيء ، ثم إذا ظهر لك منه ما يختص بالناس تقول : إنسان ، فإذا بان لك أنه ذكر قلت : إنه رجل ، فإذا وجدته ذا قوة تقول: شجاع إلى غير ذلك فالأعمّ أعرف ، وهو قبل الأخص في الفهم ، فلا يجوز أن يكون صفة ، لأنّ الصفة بعد الموصوف. هذا من حيث المعقول ، وأما من
__________________
(١) وهو أواب حفيظ.
(٢) من أن «من» لا ينعت بها.
(٣) التبيان ١١٧٦.
(٤) أي هم من خشي وأعني من خشي.
(٥) بتوضيح وتبيين من المؤلف لكتاب التبيان للعكبري ١١٧٦.
(٦) ذكر هذا الوجه الزمخشري في الكشاف ٤ / ١٠ ثم أبو حيان في البحر ٨ / ١٢٧.
(٧) معنى الجمع وانظر الكشاف والبحر السابقين.
(٨) السابقين وذكره أيضا الرازي ٢٨ / ١٧٧ قال : «وهو أغربها».
(٩) وقد حذف حرف النداء للتقريب كما قالوا : من لا يزال محسنا أحسن إلي. وانظر المرجعين السابقين.
(١٠) لم أعثر على ذلك القول لمعين وهو في الحقيقة رأي وجبه.
(١١) وهو اختيار الزمخشريّ وأبي حيان في مرجعيهما السابقين الكشاف ٤ / ١٠ والبحر ٨ / ١٢٨.
(١٢ و ١٣) المرجعين السابقين أيضا. وقد تناثرت أقوال من هذه الأقوال في معاني الفراء ٣ / ٧٩ والبيان ٢ / ٣٨٧ ومشكل الإعراب ٢ / ٣٢١.
(١٢ و ١٣) المرجعين السابقين أيضا. وقد تناثرت أقوال من هذه الأقوال في معاني الفراء ٣ / ٧٩ والبيان ٢ / ٣٨٧ ومشكل الإعراب ٢ / ٣٢١.
(١٤) في الرازي : شبحا.