إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

الكشّاف [ ج ٢ ]

الكشّاف [ ج ٢ ]

599/752
*

هي معالم الطرق وكل ما تستدل به السابلة من جبل ومنهل وغير ذلك. والمراد بالنجم : الجنس ، كقولك. كثر الدرهم في أيدى الناس. وعن السدى : هو الثريا ، والفرقدان ، وبنات نعش ، والجدى. وقرأ الحسن : وبالنجم ، بضمتين ، وبضمة وسكون ، وهو جمع نجم ، كرهن ورهن ، والسكون تخفيف. وقيل حذف الواو من النجوم تخفيفاً. فإن قلت : قوله (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) مخرج عن سنن الخطاب ، مقدم فيه (بِالنَّجْمِ) ، مقحم فيه (هُمْ) ، كأنه قيل : وبالنجم خصوصاً هؤلاء خصوصاً يهتدون ، فمن المراد ب (هُمْ)؟ قلت : كأنه أراد قريشاً : كان لهم اهتداء بالنجوم في مسايرهم ، وكان لهم بذلك علم لم يكن مثله لغيرهم ، فكان الشكر أوجب عليهم ، والاعتبار ألزم لهم ، فخصصوا.

(أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)(١٧)

فإن قلت : (كَمَنْ لا يَخْلُقُ) أريد به الأصنام ، (١) فلم جيء بمن الذي هو لأولى العلم؟ قلت : فيه أوجه ، أحدها : أنهم سموها آلهة وعبدوها ، فأجروها مجرى أولى العلم. ألا ترى إلى قوله على أثره (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) والثاني : المشاكلة بينه وبين من يخلق. والثالث : أن يكون المعنى أنّ من يخلق ليس كمن لا يخلق من أولى العلم ، فكيف بما لا علم عنده ، كقوله (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها) يعنى أنّ الآلهة حالهم منحطة عن حال من لهم أرجل وأيد وآذان وقلوب ، لأنّ هؤلاء أَحياء وهم أموات ، فكيف تصح لهم العبادة؟ لا أنها لو صحت لهم هذه الأعضاء لصحّ أن يعبدوا. فإن قلت : هو إلزام للذين عبدوا الأوثان (٢) وسموها آلهة تشبيهاً بالله ، فقد جعلوا غير الخالق مثل الخالق ، فكان حق الإلزام أن يقال لهم : أفمن لا يخلق كمن يخلق؟ قلت : حين جعلوا غير الله مثل الله في تسميته باسمه والعبادة له وسوّوا بينه وبينه ، فقد جعلوا الله تعالى من جنس المخلوقات وشبيهاً بها ، فأنكر عليهم ذلك بقوله (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ)

(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨) وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ)(١٩)

__________________

(١) قال محمود : «إن قلت من لا يخلق أريد به الأصنام ... الخ» قال أحمد : هو تحوم على أن العباد يخلقون أفعالهم ، وأن المراد إظهار التفاوت بين من يخلق منهم ومن لا يخلق كالعاجزين والزمنى ، حتى يثبت التفاوت بين من يخلق منهم وبين الأصنام بطريق الأولى ، ولقد تمكن منه الطمع حتى اعتقد أنه يثبت خلق العبد لأفعاله بتنزيله الآية على هذه التأويل ، ويتمنى لو تم له ذلك.

وما كل ما يتمنى المرء يدركه

(٢) عاد كلامه. قال : «فان قلت هو إلزام للذين عبدوا الأوثان وسموها آلهة تشبيهاً بالله تعالى وكان من حق الإلزام ... الخ» قال أحمد : وقد تقدم الكلام في ذلك عند قوله تعالى (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) فجدد بها عهدا.