أربعة آلاف فما دونها نفقة ، فما زاد فهو كنز (١) : كلام في الأفضل. فإن قلت : لم قيل : ولا ينفقونها ، وقد ذكر شيئان؟ قلت : ذهاباً بالضمير إلى المعنى دون اللفظ : لأن كل واحد منهما جملة وافية وعدة كثيرة ودنانير ودراهم ، فهو كقوله (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) وقيل : ذهب به إلى الكنوز. وقيل : إلى الأموال. وقيل : معناه ولا ينفقونها والذهب ، (٢) كما أن معنى قوله :
فَإنِّى وَقَيَّارٌ بِهَا لَغَرِيبُ (٣)
وقيار كذلك. فإن قلت : لم خصا بالذكر من بين سائر الأموال؟ قلت : لأنهما قانون التمول وأثمان الأشياء ، ولا يكنزهما إلا من فضلا عن حاجته ، ومن كثرا عنده حتى يكنزهما لم يعدم سائر أجناس المال ، فكان ذكر كنزهما دليلا على ما سواهما ، فإن قلت : ما معنى قوله (يُحْمى عَلَيْها)؟ وهلا قيل : تحمى ، من قولك : حمى الميسم (٤) وأحميته ، ولا تقول : أحميت على الحديد؟ قلت : معناه أن النار تحمى عليها ، أى توقد ذات حمى وحرّ شديد ، من قوله (نارٌ حامِيَةٌ) ولو قيل : يوم تحمى ، لم يعط هذا المعنى. فإن قلت : فإذا كان الإحماء للنار ، فلم ذكر الفعل؟ قلت : لأنه مسند إلى الجار والمجرور ، أصله : يوم تحمى النار عليها ، فلما حذفت النار قيل : يحمى عليها ، لانتقال الاسناد عن النار إلى عليها ، كما تقول : رفعت القصة إلى الأمير ، فإن لم تذكر القصة قلت : رفع إلى الأمير. وعن ابن عامر أنه قرأ : تحمى ، بالتاء. وقرأ أبو حيوة : فيكوى بالياء. فإن قلت : لم خصت هذه الأعضاء؟ قلت : لأنهم لم يطلبوا بأموالهم ـ حيث لم ينفقوها في سبيل الله ـ إلا الأغراضَ الدنيوية ، من وجاهة عند الناس ، وتقدّم ، وأن يكون ماء وجوههم مصوناً عندهم ، يتلقون بالجميل ، ويحيون بالإكرام ، ويبجلون ويحتشمون ، ومن أكل طيبات يتضلعون منها وينفخون جنوبهم ، ومن لبس ناعمة من الثياب يطرحونها على ظهورهم ، كما ترى أغنياء زمانك هذه أغراضهم وطلباتهم من أموالهم ، لا يخطرون ببالهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «ذهب أهل الدثور بالأجور» (٥) وقيل : لأنهم كانوا إذا أبصروا الفقير عبسوا ، وإذا ضمهم وإياه مجلس زوروا عنه وتولوا بأركانهم وولوه ظهورهم. وقيل : معناه
__________________
(١) أخرجه عبد الرزاق والطبري بإسناده الماضي عن على رضى الله عنه قبل بحديثين.
(٢) قوله «والذهب» لعله و «الذهب كذلك». (ع)
(٣) تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٦٢٩ فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٤) قال محمود : «إن قلت : هلا قيل تحمى ، كما يقال : حمى الميسم وأحميته ... الخ» قال أحمد : وفي هذا الفصل دقائق إعراب يشوب حسنها إغراب ، والله الموفق.
(٥) أخرجه مسلم من طريق أبى الأسود عن أبى ذر «أن أناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : قالوا : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلى ـ الحديث.