فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(٢٦)
(إِذْ أَنْتُمْ) نصبه على أنه مفعول به مذكور لا ظرف : أى اذكروا وقت كونكم أقلة أذلة مستضعفين (فِي الْأَرْضِ) أرض مكة قبل الهجرة تستضعفكم قريش (تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) لأن الناس كانوا جميعا لهم أعداء منافين مضادّين (فَآواكُمْ) إلى المدينة (وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ) بمظاهرة الأنصار وبإمداد الملائكة يوم بدر (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) من الغنائم (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) إرادة أن تشكروا هذه النعم. وعن قتادة : كان هذا الحىّ من العرب أذلّ الناس ، وأشقاهم عيشا ، وأعراهم جلداً ، وأبينهم ضلالا ، يؤكلون ولا يأكلون ، فمكن الله لهم في البلاد ، ووسع لهم في الرزق والغنائم وجعلهم ملوكا.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(٢٧)
معنى الخون : النقص ، كما أن معنى الوفاء التمام. ومنه : تخوّنه ، إذا تنقصه ، ثم استعمل في ضدّ الأمانة والوفاء ، لأنك إذا خنت الرجل في شيء فقد أدخلت عليه النقصان فيه ، وقد استعير فقيل : خان الدلو الكرب ، وخان المشتار السبب (١) لأنه إذا انقطع به فكأنه لم يف له. ومنه قوله تعالى (وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ) والمعنى لا تخونوا الله بأن تعطلوا فرائضه ، ورسوله بأن لا تستنوا به. و (أَماناتِكُمْ) فيما بينكم بأن لا تحفظوها (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) تبعة ذلك ووباله ، وقيل وأنتم تعلمون أنكم تخونون ، يعنى أن الخيانة توجد منكم عن تعمد لا عن سهو. وقيل : وأنتم علماء تعلمون قبح القبيح وحسن الحسن. وروى أن نبى الله صلى الله عليه وسلم حاصر يهود بنى قريظة إحدى وعشرين ليلة (٢) فسألوا الصلح كما صالح إخوانهم
__________________
(١) قوله «خان الدلو الكرب وخان المشتار السبب. قوله «الكرب» حبل يشد في رأس الدلو. والمشتار مجتنى العسل. والسبب : الحبل اه صحاح (ع)
(٢) أخرجه الثعلبي عن الكلبي بغير سند ، لكن سنده إليه في أول الكتاب. وقد روى ابن إسحاق في المغازي : حدثنا إسحاق بن يسار عن عبد بن كعب السلمى «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصرهم ـ يعنى قريظة ـ خمساً وعشرين ليلة ـ فذكر القصة بطولها ـ إلى أن قال : ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر فذكر قصة مختصرة. وأخرجها البيهقي في الدلائل من طريق سعيد بن المسبب في قصة طويلة ـ فذكر نحو ما هنا. وهكذا ذكرها عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال : كان أبو لبابة ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبوك. فربط نفسه بسارية فذكر القصة» وأخرجه الواقدي عن معمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك مثله.
«تنبه» تسمية أبى لبابة مروان لم أره إلا من هذه الرواية. ومدة حصار بنى قريظة المحفوظ فيها ما قاله ابن إسحاق.