الوجود دفعة واحدة ، كما مرّ.
ثم نقول : فالنفس وإن كان حقيقة واحدة فإنّه يكتسب في المخارج أسماء مختلفة بحسب التميّز الحاصل بسبب المقاطع (١) ، فامتداد (٢) زمانه دون تعيّنه بمقطع من المقاطع يسمّى ألفا ، وأوّل تعيّنه بأقرب المقاطع نسبة إلى القلب ـ الذي هو ينبوع النفس ـ يسمّى همزة ، ثم يقال ـ مثلا ـ باء وسين وميم (٣) ونحو ذلك كما قيل في الأصل : قلم ولوح وعرش وغير ذلك.
فكلّ حرف فإنّه لا يغاير النفس ، ولا يمتاز عنه إلّا بتعيّنه ، كذلك كلّ فرد من أفراد الأعيان الوجوديّة والحقائق الأسمائيّة ، لا يمتاز عن الوجود البحت ، المنعوت بالغيب والشهادة وغيرهما ، إلّا بالتعدّد والتعيّن (٤) الواقع في مرتبة الغيب الإمكاني ، بالنسبة إلى الحقّ لا إلى الأشياء. والواقع في مرتبة الشهادة التي أوّلها التعيّن الأوّل الاسمي المتميّز من الغيب الإلهي في الغيب الإضافي الذي هو الحدّ المذكور.
ونظيره في النفس الإنساني ـ كما قلنا ـ الهمزة ، فالهمزة نفس التعيّن فحسب ، فالمتعيّن (٥) بذلك التعيّن المذكور التجلّي الذاتيّ الظاهر من الغيب المطلق المضاف إليه النفس ، ومن الموجودات الكونيّة القلم ، والمتعيّن الأوّل في نفسنا بالهمزة.
والمعرف بأحديّته هو الألف ، والمتعيّن به من الحروف التامّة في الشهادة الباء ؛ فإنّ الهمزة والألف ليسا بحرفين كما سنومئ إليه ـ إن شاء الله تعالى ـ وبالجمع والتركيب والمراتب (٦) المختلفة على الأنحاء المختلفة ، وسريان حكم الجمع الأحدي ـ كما بيّنّا من قبل ـ ظهرت الموجودات جميعها ، وظهرت صور الألفاظ والكلمات والحروف في المراتب الكلّيّة وفي المخارج ، حاملة للمعاني ودالّة عليها حمل الأعيان الكونيّة أحكام المراتب والأسماء ، وسرّ المسمّى من حيث دلالتها عليه وعدم مغايرتها له من وجه ، فاعلم ذلك والله المرشد.
__________________
(١) ق : التقاطع.
(٢) ق : امتداده.
(٣) ق : جيم ، ب : ميم.
(٤) ق : بالتعيّن والتعدد.
(٥) ب : والمتعيّن.
(٦) ق : في المراتب.