في كلّ وقت وحال ونشأة وموطن إنّما هو ما يستدعيه حكم المناسبة التي بينه وبين ذلك الحال والوقت والنشأة والموطن وأهله ، كما هو سنّة الحقّ من حيث نسبة تعلّقه بالعالم وتعلّق العالم به وقد سبقت الإشارة إلى ذلك ، فما لم يتخلّص الإنسان من ربقة قيود الصفات الجزئيّة والأحكام الكونيّة ، يكون إدراكه مقيّدا بحسب الصفة الجزئيّة الحاكمة عليه على الوجه المذكور ، فلا يدرك بها إلّا ما يقابلها من أمثالها ، وما تحت حيطتها لا غير.
فإذا تجرّد من أحكام القيود والميول (١) والمجاذبات الانحرافيّة الأطرافيّة الجزئيّة ، وانتهى إلى هذا المقام الجمعي الوسطي المشار إليه ، الذي هو نقطة المسامتة الكلّيّة ، ومركز الدائرة (٢) الجامعة لمراتب الاعتدالات كلّها ، المعنويّة والروحانيّة ، والمثاليّة والحسّيّة ، المشار إليه آنفا ، واتّصف بالحال الذي شرحته ، قام للحضرتين (٣) في مقام محاذاته المعنويّة البرزخيّة ، فواجههما (٤) بذاته كحال النقطة مع كلّ جزء من أجزاء المحيط ، وقابل كلّ حقيقة من الحقائق الإلهيّة والكونيّة بما فيه منه من كونه نسخة من جملتها ، فأدرك بكلّ فرد من أفراد نسخة وجوده ما يقابلها من الحقائق في الحضرتين ، فحصل له العلم المحقّق بحقائق الأشياء وأصولها ومبادئها ؛ لإدراكه لها (٥) في مقام تجريدها ، ثم يدركها من حيث جملتها وجمعيّتها بجملته وجمعيّته ، فلم يختلف عليه أمر ، ولم ينتقض عليه حال ولا حكم بخلاف من بيّن حاله من قبل ، ولو لا القيود الآتي ذكرها ، لاستمرّ حكم هذا الشهود ، وظهرت آثاره على المشاهد ، ولكنّ الجمعيّة التامّة الكماليّة تمنع من ذلك ، لأنّها تقتضي الاستيعاب المستلزم للظهور بكلّ وصف ، والتلبّس بكلّ حال وحكم. والثبات على هذه الحالة الخاصّة المذكورة ـ وإن جلّ ـ يقدح فيما ذكرنا من الحيطة الكماليّة والاستيعاب الذي ظهر به الحقّ من حيث هذه الصورة العامّة الوجوديّة التامّة ، التي هي الميزان الأتمّ ، والمظهر الأكمل الأشمل الأعمّ.
ثم نقول : ومن نتائج هذا الذوق الشامل ، والكشف الكامل الاستشراف على غايات
__________________
(١) ق : الميال.
(٢) ق : الدائرة الكبرى.
(٣) ب : الحضرتين.
(٤) ب : فواجهها.
(٥) ب : لإدراكها.