وصل
تهافت الأدلّة
النظريّة
اعلموا أيّها
الإخوان ـ تولّاكم الله بما تولّى به عباده المقرّبين ـ أنّ إقامة الأدلّة
النظريّة على المطالب ، وإثباتها بالحجج العقليّة على وجه سالم من الشكوك الفكريّة
والاعتراضات الجدليّة متعذّر ؛ فإنّ الأحكام النظريّة تختلف بحسب تفاوت مدارك
أربابها ، والمدارك تابعة لتوجّهات المدركين ، والتوجّهات تابعة للمقاصد التابعة
لاختلاف العقائد والعوائد والأمزجة والمناسبات ، وسائرها تابع في نفس الأمر
لاختلاف آثار التجلّيات الأسمائيّة المتعيّنة والمتعدّدة في مراتب القوابل ، وبحسب
استعداداتها ، وهي المثيرة للمقاصد ، والمحكمة للعوائد والعقائد التي يتلبّس بها ،
ويتعشّق نفوس أهل الفكر والاعتقادات عليها ؛ فإنّ التجلّيات في حضرة القدس وينبوع
الوحدة وحدانيّة النعت ، هيولانيّة الوصف لكنّها تنصبغ عند الورود بحكم استعدادات
القوابل ومراتبها الروحانيّة والطبعيّة ، والمواطن والأوقات وتوابعها ، كالأحوال والأمزجة والصفات
الجزئيّة ، وما اقتضاه حكم الأوامر الربانيّة ، المودعة بالوحي الأوّل الإلهي في
الصور العلويّة وأرواح أهلها والموكّلين بها ، فيظنّ لاختلاف الآثار أنّ التجلّيات
متعدّدة بالأصالة في نفس الأمر ، وليس كذلك.
ثمّ نرجع ونقول :
فاختلف للموجبات المذكورة أهل العقل النظري في موجبات عقولهم ، ومقتضيات أفكارهم
وفي نتائجها ، واضطربت آراؤهم ، فما هو صواب عند شخص هو عند غيره خطأ ، وما هو
دليل عند البعض هو عند آخرين شبهة ، فلم يتّفقوا في الحكم على شيء
__________________