الجامع بينهما
بذاته ، والفاصل أيضا بين الباطن والمطلع. ونظيره عالم المثال الجامع بين الغيب
المحقّق والشهادة.
وله مطلع وهو ما
يفيدك الاستشراف على الحقيقة التي إليها يستند ما ظهر وما بطن وما جمعها وميّز
بينهما ، فيريك ما وراء ذلك كلّه وهو أوّل منزل من منازل الغيب الذاتي الإلهي ،
وباب حضرة الأسماء والحقائق المجرّدة الغيبيّة ، ومنه يستشرف المكاشف على سرّ
الكلام الأحدي الغيبي ، فيعلم أنّ الظهور والبطون والحدّ والمطلع منصّات لهذا
التجلي الكلامي ولغيره ، ومنازل لتعيّنات أحكام الاسم «المتكلّم» من حيث امتيازه
رتبة خامسة تعرف من سرّ النفس الرحماني ، وقد مرّ حديثه سيّما من هذا الوجه ،
فتذكّر.
وقد انتهى القول
في القسم الأوّل من أقسام الفاتحة جمعا وتفصيلا ، ويسّر الله الوفاء بما التزمته ،
وإنّي وإن بسطت القول فيما مرّ بالنسبة لمن لا يعرف قدر هذا الإيجاز ، فإنّما كان
ذلك من أجل أنّ تحرير الكلام في القواعد وفي أمّهات المسائل يفتح ما يأتي بعد.
ومن الأمور
المتفرّعة على تلك الأمّهات والتفاصيل التابعة لأصولها ولا سيّما والسورة المتكلّم
فيها أصل أصول الكلم ، ومفتاح جوامع الأسرار والحكم ، فجدير بمن قصد تفسيرها أن
ينبّه على مشارع أنهار أسرارها ، ومطلع شموس أنوارها ، ومجتمع كنوزها ومفتاح
خزائنها وحاصل مخزونها (وَاللهُ يَقُولُ
الْحَقَ) ، (وَيَهْدِي مَنْ
يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) .
فاتحة القسم
الثاني قوله تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).
ولنبدأ أوّلا بعون
الله ومشيئته بذكر ما يقتضيه ظاهر اللسان ومرتبته ، ثم نرقى منه وفيه بالتدريج إلى
الباطن ، ثم الحدّ والمطلع والأمر المحيط الحاكم على الجميع ، كما يسّر الله ذلك فيما مرّ. فنقول :
«إيّا» ضمير منفصل
للمنصوب ، واللواحق التي تلحقه من الكاف والهاء والياء في «إيّاك» و «إيّاه» و «إيّاي»
لبيان حكم المتكلّم والغائب والمخاطب ، ولا محلّ لها عند
__________________