أمور كثيرة ، كما أخبر بقوله تعالى : (ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (١) ويقول نبيّه صلىاللهعليهوآله في آخر حديث أبي ذرّ رواية عن ربّه (٢) : «فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه».
فما من حال يكون فيه أحد من العباد حتى المكروهة إلّا والحقّ يستحقّ منه الحمد على ذلك من حيث ما في ضمنه من المصالح التي يشعر بها كلّ أحد ، كمسألة عمر رضي الله عنه ومن تنبّه لما أدركه (٣) وهذا من شمول النعمة وعموم الرحمة ، فافهم.
ثم اعلم ، أنّ الحمد يتولّد بين إحسان المحسن وبين من هو محل لإحسانه وهكذا الأمر في سائر الأوصاف الكماليّة المضافة إلى الحقّ إنّما يظهر بين هاتين المرتبتين : الإلهيّة والكونيّة.
ولمّا كان أقوى موجبات الحمد ومنتجاته (٤) الإحسان ، وكان قول القائل : «الحمد لله» ، تعريفا بأنّ الحقّ مالك الحمد ومستحقّه والمختصّ به دون غيره ، على اختلاف مراتبه التي سبق بيانها وتفصيل أحكامها الكلّيّة ، وكان الحمد حقيقة كلّيّة مطلقة ، وكذا (٥) الاسم «الله» المضاف إليه هذا الحمد المطلق ، كما بيّنّا ولم يمكن أن يتعيّن للمطلق حكم من حيث هو مطلق ؛ لما أسلفنا ، جاء التعريف بعدهما بالاسم «الربّ» الذي قلنا : إنّه لا يرد إلّا مضافا ، وأضافه إلى «العالمين» ؛ تعريف لمسمّى الاسم «الله» في هذه المرتبة ومن هذا الوجه. وأضاف الربّ إلى العالمين ؛ بيانا لعموم سلطنة ربوبيّته وشمول حكم ألوهيّته (٦) وإثبات نفوذ أمره في العالم وقدرته من جهة الملك والتربية والتصريف وغير ذلك ، ممّا مرّ بيانه.
فلمّا عرف الإنعام وتعيّنت مرتبة المنعم المحمود على الإنعام ، (٧) احتيج (٨) بعد ذلك إلى أن يعرف أنّ وصول الإنعام المثمر للحمد والمبيّن علوّ المحمود على الحامدين وربوبيّته وشمول حكمهما إلى العالمين ، الذين هم محالّ هذه الأحكام ، ومظاهر هذه النسب والصفات ، بأيّ طريق هو؟ وكم هي أقسامه؟ فإنّ ذلك ممّا يستفيد المنعم عليه منه معرفة بالمنعم والإنعام ، فيكمل حضوره في الحمد ، ويعلو ويتّسع ، فلا جرم ذكر سبحانه بعد ذلك ،
__________________
(١) الشورى (٤٢) الآية ٣٠.
(٢) ب : الله سبحانه وتعالى.
(٣) ق : أدرك.
(٤) ق : مثمراته.
(٥) ق : كذلك.
(٦) ب : الألوهية.
(٧) ق : الإنعام بالإنعام.
(٨) ب : احتجّ.