أيضا ما يستدعيه هذا الموضع حسب تيسير الله ومشيئته ، فنقول :
قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) إضافة الحمد إلى الحقّ من حيث هذا الاسم إخبار ، وهذا الاسم اسم جامع كلّي ، لا يتعيّن له ـ من حيث هو ـ حمد ولا حكم ، ولا يصحّ إليه إسناد أمر أصلا ، كما أشرت إلى ذلك في الحمد المطلق وسائر الحقائق المجرّدة.
وكلّ توجّه وسؤال والتجاء ينضاف إلى هذا الاسم ، فإنّه إنّما ينضاف إليه بنسبة جزئيّة مقيّدة بحسب حال المتوجّه والسائل والملتجئ ، فلا يذكر ولا يرد مطلقا إلّا من حيث اللفظ فحسب لا من حيث الحقيقة ؛ فإنّه إذا قال المريض ـ مثلا ـ يا الله ، فإنّما يلتجئ إلى هذا الاسم من كونه شافيا ومن كونه واهبا للعافية ، وكذا الغريق إذا قال : يا الله ، فإنّما يتوجّه إلى هذا الاسم الجامع للأسماء من كونه مغيثا ومنجيا ونحو ذلك.
وهكذا الأمر في الحمد لا بدّ من أن يتعيّن بحسب أحد الأمور التي سلف ذكرها [بحيث] يكون هو الباعث على الحمد والموجب له.
وهذا الاسم كثر القول فيه والخلاف في أنّه هل هو جامد اسم علم ، أو مشتقّ؟ ولهم في هذا (١) كلام كثير لست ممّن يشتغل بنقله وقلبه ، وإنّما أذكر ما تقتضيه قاعدة التحقيق بحسب ذوقي ومعرفتي ، وأوفّق بينه وبين ما يقتضيه حكم اللسان ـ إن شاء الله تعالى ـ ، فأقول :
لا يصحّ أن يكون للحقّ اسم علم يدلّ عليه دلالة مطابقة بحيث لا يفهم منه معنى آخر ، وسأوضّح لك سرّ ذلك بلسان الذوق والنظر والاصطلاح اللغوي ، الذي به نزل القرآن العزيز ، وهو ظرف المعاني والأوامر والإخبارات الشرعيّة.
فأمّا ذوقا فإنّ الحقّ من حيث ذاته وتجرّده (٢) عن سائر التعلّقات لا يقتضي أمرا ولا يناسبه شيء ، ولا يتقيّد بحكم ولا اعتبار ، ولا يتعلّق به معرفة ، ولا ينضبط بوجه ، وكلّ ما سمّى أو تعقّل بواسطة اعتبار أو اسم أو غيرهما فقد تقيّد من وجه ، وانحصر باعتبار ، وانضبط بحكم ، والحقّ من حيث إطلاقه وتجرّده وغناه الذاتي لا يجوز عليه شيء
__________________
(١) ق : ذلك.
(٢) ق ، ه : تجريده.