قال ابن عطية (١) وأبو البقاء : إذا قدرت الباء كان حالا.
قال ابن عطية : والمعنى في الباء واللام مختلف ، وذلك أنه في الباء ، كما تقول : تركت زيدا بحاله وهي في اللام بمعنى من أجل ، أي : أحسبوا أنّ إيمانهم علة للترك انتهى.
وهذا تفسير معنى ، ولو فسر الإعراب لقال : أحسبانهم الترك لأجل تلفظهم بالإيمان.
وقال الزمخشري (٢) : فإن قلت : فأين الكلام الدال على المضمون الذي يقتضيه الحسبان (٣) (في الآية) (٤)؟
قلت : هو في قوله : (أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) ، وذلك أن تقديره : أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم : آمنا ، فالترك أولى مفعولي «حسب» ، وقولهم آمنا هو الخبر ، وأما غير مفتونين فتتمة الترك ، لأنه من الترك الذي هو بمعنى التصيير ، كقوله :
٢٠٢٤ ـ فتركته جزر السّباع ينشنه |
|
............. (٥) |
ألا ترى أنك قبل المجيء بالحسبان تقدر أن تقول : (تركهم) (٦) غير مفتونين لقولهم آمنا ، على تقدير حاصل ومستقر قبل اللام.
فإن قلت : أن يقولوا هو علة تركهم غير مفتونين فكيف يصح أن يقع خبر مبتدأ؟
قلت : كما تقول : خروجه لمخافة الشر ، وضربه للتأديب وقد كان التأديب والمخافة في قولك : خرجت (مخافة) (٧) الشر وضربته تأديبا تعليلين. وتقول أيضا : حسبت خروجه لمخافة الشّرّ ، وظننت ضربه للتأديب فتجعلهما مفعولين كما جعلتهما مبتدأ وخبرا (٨).
قال أبو حيان : وهذا كلام فيه اضطراب ، ذكر أولا أن تقديره غير مفتونين تتمة يعني أنه
__________________
(١) تقدم.
(٢) تقدم.
(٣) كذا في «أ» والكشاف وفي «ب» الحساب.
(٤) زيادة من الكشاف.
(٥) صدر بيت من الكامل لعنترة ، عجزه :
ما بين قلة رأسه والمعصم
ويروى غادرته ، والجزر جمع جزرة ، وهي الشاة التي تذبح وتنحر ، وينشنه : يتناولنه بالأكل ، والشاهد : أن ترك بمعنى صير ومعناه صيرته بقتلي إياه جزرة للسباع.
وانظر : ديوان عنترة ٢٦ تعليق كرم البستاني ، دار صادر ، شرح الكافية للرضي ، دار الكتب بيروت ٢ / ٢٨٧ ، والحماسة البصرية ، السبع الطوال لابن الأنباري ٣٤٧ ، ٣٤٩ تحقيق عبد السلام هارون دار المعارف ١٤٠٠ ه / ١٩٨٠ م ، والبحر المحيط ٧ / ١٣٩ ، والكشاف ٣ / ١٩٥.
(٦) ما بين القوسين ساقط من النسختين وزيادة من الكشاف.
(٧) كذا في الكشاف وفي النسخ : خرجت للشر.
(٨) كذا في الكشاف للزمخشري ٣ / ١٩٥ ، دار الفكر بحاشية السيد الشريف وكتاب الإنصاف لابن المنير المالكي.