قوله : (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) فيه وجوه :
أحدها : أنّ ما نافية ، فالوقف على «يختار» (١).
والثاني : ما مصدرية أي يختار اختيارهم ، والمصدر (٢) واقع موقع المفعول ، أي مختارهم (٣).
الثالث : أن يكون بمعنى «الذي» والعائد محذوف ، أي ما كان لهم الخيرة فيه (٤) كقوله : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [الشورى : ٤٣] أي منه (٥) ، وجوّز ابن عطية أن تكون كان تامة ، ولهم الخيرة جملة مستأنفة ، قال : ويتجه عندي أن يكون ما مفعول إذا قدّرنا كان(٦) التامة ، أي : إن الله يختار كلّ كائن ، ولهم الخيرة مستأنف معناه : تعديد النعم عليهم في اختيار الله لهم لو قبلوا (٧). وجعل بعضهم (٨) في كان ضمير الشأن ، وأنشد :
٤٠١٤ ـ أمن سميّة دمع العين تذريف |
|
لو كان ذا منك قبل اليوم معروف (٩) |
ولو كان ذا اسمها لقال معروفا ، وابن عطية منع ذلك في الآية ، قال : لأن تفسير الأمر والشأن لا يكون بجملة فيها محذوف (١٠) ، كأنه يريد أن الجار متعلق بمحذوف وضمير الشأن لا يفسر إلا بجملة مصرح بجزئيها (١١) إلا أنّ في هذا نظرا (١٢) إن أراده ، لأن هذا الجار قائم مقام الخبر ولا أظن أحدا يمنع : هو السلطان في البلد ، وهي الدار ، والخيرة : من التخير كالطيرة من التطير فيستعملان استعمال المصدر (١٣) ، وقال الزمخشري (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) بيان لقوله «ويختار» ، لأن معناه : ويختار ما يشاء ولهذا
__________________
(١) ورجحه مكي قال : (لأن كونها للنفي يوجب عموم جميع الأشياء في الخير والشر ، أنها حدثت بقدر الله واختياره ، وليس لمخلوق فيها اختيار غير اكتسابه بقدر من الله له) مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٦٤ ، والوقف على «يختار» تام. انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ١٥١ ـ ١٥٢ ، إعراب القرآن للنحاس ٣ / ٢٤١ ، منار الهدى في بيان الوقف والابتدا (٢٩٣).
(٢) في ب : والمصدر فيه.
(٣) حكاه أبو البقاء. التبيان ٢ / ١٠٢٤.
(٤) قاله الطبري. انظر جامع البيان ٢٠ / ٦٣.
(٥) انظر الكشاف ٣ / ١٧٧.
(٦) في ب : كانت.
(٧) تفسير ابن عطية ١١ / ٣٢٥.
(٨) نقله الطبري عن الفراء ، وليس في معاني القرآن للفراء ، انظر جامع البيان ٢٠ / ٦٣ ـ ٦٤.
(٩) البيت من بحر البسيط ، وهو مطلع قصيدة لعنترة يقولها في امرأة أبيه ، وهو في الديوان (٥٣) ، جامع البيان ٢٠ / ٦٤ ، تفسير ابن عطية ١ ـ / ٣٢٤ ، والسبع الطوال لابن الأنباري (٣٥٣) ، البحر المحيط ٧ / ١٢٩ ، وفي الديوان (سهية) بدل (سمية) وهو اسمها. تذريف : من ذرفت عليه عينه تذرف تذريفا ، وهو الدمع الذي يكاد يتصل في نزوله. والشاهد فيه أن في (كان) على هذه الرواية ـ وهي من إنشاء القاسم بن معن ـ ضمير شأن اسمها ، و (ذا) خبرها ، و (معروف) مبتدأ مؤخر ، وما قبله خبر ، تنزيلا ل (كان) منزلة (إن). ورواية الديوان : (لو أنّ ذا منك) ، وعليها فلا شاهد في البيت.
(١٠) تفسير ابن عطية ١١ / ٣٢٥.
(١١) يجزئيها : سقط من ب.
(١٢) في ب : نظر.
(١٣) انظر الكشاف ٣ / ١٧٦.