قوله : (فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً) الجعل بمعنى : التصيير ، و «غثاء» مفعول ثان ، والغثاء : قيل : هو الجفاء ، وتقدم في الرعد (١) ، قاله الأخفش (٢) وقال الزجاج : هو البالي من ورق الشجر والعيدان إذا جرى السيل خالط زبده واسود (٣) ، ومنه قوله : (غُثاءً أَحْوى)(٤) وقيل : كل ما يلقيه السيل والقدر مما لا ينتفع به (٥) ، وبه يضرب المثل في ذلك ولامه واو ، لأنه من غثا الوادي يغثو غثوا ، وكذلك غثت القدر ، وأمّا غثيت نفسه تغثي غثيانا ، أي : خبثت. فهو قريب من معناه ، ولكنه من مادة الياء (٦).
وتشدد (ثاء) الغثاء ، وتخفّف ، وقد جمع على أغثاء ، وهو شاذ ، بل كان قياسه أن يجمع على أغثية ، كأغرية ، وعلى غيثان ، كغربان ، وغلمان (٧) وأنشدوا لامرىء القيس :
٣٧٩٨ ـ من السّيل والغثّاء فلكة مغزل (٨)
بتشديد الثاء ، وتخفيفها ، والجمع ، أي : والأغثاء.
قوله : (فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) «بعدا» مصدر يذكر بدلا من اللفظ بفعله فناصبه واجب الإضمار لأنه بمعنى الدعاء عليهم ، والأصل : بعد (٩) بعدا وبعدا نحو رشد رشدا ورشدا (١٠) وفي هذه اللام قولان :
__________________
(١) عند قوله تعالى : «أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً»[الرعد : ١٧]. وذكر ابن عادل هناك : والجفاء : قال ابن الأنباري المتفرق ، يقال : جفأت الريح السحاب ، أي : قطعته وفرقته ، وقيل : الجفاء ما يرمي به السيل يقال : جفأت القدر بزبدها تجفأ من باب قطع ، وجفأ السيل بزبده وأجفأ وأجفل باللام. انظر اللباب ٥ / ١٠٠.
(٢) قال الأخفش : الغثاء والجفاء واحد. وهو ما احتمله السيل من القذر والزبد. انظر قول الأخفش في البحر المحيط ٦ / ٣٩٣ ، وهو غير موجود في معاني القرآن.
(٣) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ١٣.
(٤) من قوله تعالى : «فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى» [الأعلى : ٥].
(٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٩٣.
(٦) انظر اللسان (غثا).
(٧) لأن (فعال) لا يجمع على (أفعال) ، وإنما يجمع جمع قلة على أفعلة لأنه رباعي قبل آخره مد ، فهو يساوي في القلة فعال ـ بالفتح ـ وفعال ـ بالكسر ـ ك (زمان) أزمنة ، و (مكان) أمكنة ، و (حمار) أحمرة ، و (خلال) أخلّة. وبابه في الكثير (فعلان) كغلمان ، وغربان ، وخرجان وذبّان.
شرح الشافية ٢ / ١٢٨ ـ ١٢٩.
(٨) عجز بيت من بحر الطويل ، قاله امرؤ القيس ، وهو من معلقته ، وهو في الديوان (٢٥) ، والكشاف ٣ / ٤٨ ، وشرح شواهده (٩٩).
(٩) في ب : بعدا. وهو تحريف.
(١٠) «بعدا» من جملة المصادر التي قال سيبويه إنها نصبت بأفعال لا يستعمل إظهارها ، ومنها : سقيا ، ورعيا ، وخيبة. حيث قال: (إنما ينتصب هذا وما أشبهه إذا ذكر مذكور فدعوت له أو عليه ، على إضمار الفعل ، كأنك قلت : سقاك الله سقيا ، ورعاك الله رعيا ، وخيّبك الله خيبة ، فكل هذا وأشباهه على هذا ينتصب. وإنما اختزل الفعل ههنا ، لأنهم جعلوه بدلا من اللفظ بالفعل ، كما جعل الحذر بدلا من احذر. وكذلك هذا كأنه بدل من سقاك الله ، ورعاك الله ، ومن خيّبك الله) الكتاب ١ / ٣١١ ـ ٣١٢. وانظر أيضا الكشاف ٣ / ٤٨ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٥٨ ، البحر المحيط ٦ / ٤٠٦.