تناسب مستوى فهمه وعقله المخلوق بدرجة يستحيل عندها الوصول إلى ما فوق حدوده بالنسبة لمراد الله ، ونهاية تلك الحدود يكون ما بعدها هو عمق التأويل القرآنى الذى لا يعلمه إلا الله لذلك فإن انتماءنا لعالم الخلق وخضوعنا لقوانين المكان والزمان ووجود أنفسنا بداخل الجسد المادى ، فإن ذلك يحول بيننا وبين إدراك تأويل القرآن الكريم والحكمة من الكثير من الأشياء كالهدى والضلال وتفاوت الأرزاق وغير ذلك من المسائل الغيبية التى يتخبط فيها العقل المادى المخلوق والمحدود ... ، لذلك لن يكون التأويل الحقيقى إلا فى الآخرة يقول تعالى (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) (١). إن القرآن الكريم وما يحتويه من آيات ليس المقصود منها هى مجموعة الكلمات التى تفصلها الفواصل ولكنها البراهين والمعجزات التى فصّلها الله تعالى وأيضا هى الدلالات والبراهين المتشابهة التى تحتوى على ظاهر محكم أيضا ولكن لا تدركه المخلوقات يقول تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ" مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) (٢) ومعنى (مِنْهُ آياتٌ" مُحْكَماتٌ) أى أن كلمات القرآن الكريم بكليتها تحمل براهين ودلالات وأحكام ظاهرة واضحة محكمة لا تختلف فيها العقول والمدارك وهى ترتبط بالأحكام التى يطلب الله تعالى من خلقه أن يفعلوها فى مجال الأمر والنهى والعبادات والإعجازات الظاهرة المختلفة التى تظهر بتعاقب الأجيال وأما العبارة القرآنية" وأخر متشابهات" ليس معناها آيات أخرى متشابهة ولكن المعنى هو أن لكلمات الله تعالى فى القرآن الكريم بالإضافة إلى العمق الظاهر المحكم الذى ندركه جميعا دلالات ومعانى أخرى عميقة يصعب ويستحيل على أى مخلوق أن يدرك ماهيتها والإحاطة بنهاية معانيها وهى ترتبط بالمسائل الإيمانية الغيبية كما أشرنا قبل ذلك ، كالحكمة من الهدى والضلال ، وتفاوت الأرزاق ، وغير ذلك من المسائل التى هى فى علم الله تعالى حيث يعلم سبحانه ما لا نعلم ، ولذلك فإن الله يختبر العبد بما منحه من ألوان الرزق ، فهو يعلم أن هناك من العباد من يفسدهم
__________________
(١) سورة آل عمران الآية ٧
(٢) سورة آل عمران الآية ١