«ويجعلون» : يصفون الله بذلك ، ويحكمون به له ، كقولك : جعلت زيدا على النّاس ، أي : حكمت بهذا الحكم. وتقدّم معنى الجعل عند قوله تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ) [المائدة : ١٠٣].
قوله : (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ) العامة على أنّ «الكذب» مفعول به ، و (أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى) بدل منهم بدل كلّ من كلّ ، أو على إسقاط الخافض ، أي : بأن لهم الحسنى.
وقرأ (١) الحسن «ألسنتهم» بسكون التّاء تخفيفا ، وهي تشبه تسكين لام (بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزخرف : ٨٠] ، وهمزة (بارِئِكُمْ) [البقرة : ٥٤] ونحوه.
والألسنة : جمع لسان مرادا به التذكير ، فجمع كما جمع فعال المذكر نحو : «حمار وأحمرة» ، وإذا أريد به التأنيث جمع جمع أفعل ، كذراع ، وأذرع.
وقرأ (٢) معاذ بن جبل رضي الله عنه : «الكذب» بضمّ الكاف والذّال ، ورفع الباء ، على أنّه جمع كذوب ، كصبور وصبر ، وهو مقيس.
وقيل : هو جمع كاذب ، نحو «شارف وشرف» ؛ كقول الشاعر : [الوافر]
٣٣٣١ ـ ألا يا حمز للشّرف النّواء |
|
........... (٣) |
وهو حينئذ صفة ل : «ألسنتهم» وحينئذ يكون (أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى) مفعولا به والمراد بالحسن : البنون.
وقال يمان : يعني بالحسنة : الجنة في المعاد.
فإن قيل : كيف يحكمون بذلك ، وهم منكرون القيامة؟.
فالجواب : أنّ جميعهم لم ينكر القيامة ، فقد قيل : إنّه كان في العرب جمع يقرّون بالبعث ، ولذلك كانوا يربطون البعير النّفيس على قبر ، ويتركونه إلى أن يموت ويقولون : إنّ ذلك الميت إذا حشر ؛ يحشر معه مركوبه.
وقيل : إنهم كانوا يقولون : إن كان محمدا صادقا في قوله بالبعث ، تحصل لنا الجنّة بهذا الدين الذي نحن عليه.
قيل : وهذا القول أولى ، لقوله بعد : (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) فردّ عليهم قولهم ، وأثبت لهم النّار ؛ فدلّ على أنهم حكموا لأنفسهم بالجنّة.
قوله : (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) ، أي : حقّا. قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ نعم إن لهم النّار (٤).
__________________
(١) ينظر : البحر ٥ / ٤٩٠ ، والدر المصون ٤ / ٣٣٩.
(٢) ينظر : البحر ٥ / ٤٩ والمحتسب ٢ / ١١ ، والدر المصون ٤ / ٣٣٩.
(٣) تقدم.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٦٠٢) وذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٧٤).