يوجب المغايرة ، فنقول : العدل عبارة عن الأمور المتوسّطة بين طرفي الإفراط والتّفريط ، وذلك واجب الرّعاية في جميع الأشياء ، فنقول : التّكليف إمّا في الاعتقادات وإما في أعمال الجوارح.
أما الاعتقاد فنذكر منه أمثلة :
أحدها : ما قاله ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : إن العدل هو قولنا : لا إله إلّا الله ، وتحقيقه : أنّ نفي الإله تعطيل محض ، وإثبات أكثر من إله واحد إشراك وتشبيه ، وهما مذمومان ، والعدل هو إثبات إله واحد.
وثانيها : أن القول بأنّ الإله ليس بموجود ولا شيء تعطيل محض ، والقول بأنه جسم مركب ومتحيّز تشبيه محض ، والعدل : إثبات إله واحد موجود منزّه عن الجسميّة والأجزاء والمكان.
وثالثها : أن القول بأنّ الإله غير موصوف بالصّفات من العلم والقدرة تعطيل محضّ ، والقول بأنّ صفاته حادثة متغيّرة تشبيه محض ، والعدل : إثبات أن الإله عالم قادر حيّ ، وأن صفاته ليست محدثة ولا متغيرة ـ سبحانه وتعالى ـ.
ورابعها : أن القول بأنّ العبد ليس له قدرة ولا اختيار جبر محض ، والقول بأن العبد مستقلّ بأفعاله قدر محض ؛ وهما مذمومان ، والعدل أن يقال : إن العبد يفعل الفعل بواسطة قدرة وداعية يخلقهما الله فيه.
وأما رعاية العدل في أفعال الجوارح فنذكر منه أمثلة :
أحدها : قال قوم : لا يجب على العبد شيء من الطّاعات ، ولا يجب عليه الاحتراز عن شيء من المعاصي ، ونفوا التّكاليف أصلا.
وقال المانويّة وقوم من الهند : إنه يجب على الإنسان أن يجتنب الطيّبات ، ويحترز عن كل ما يميل الطّبع إليه ، ويبالغ في تعذيب نفسه ، حتى إن المانويّة يخصّون أنفسهم ويحترزون عن التزوج ، ويحترزون عن أكل الطّعام الطيّب ، والهند يحرقون أنفسهم ، ويرمون أنفسهم من شاهق الجبل ، فهذان الطريقان مذمومان ، والعدل هو شرعنا.
وثانيها : قيل : إنه كان في شرع موسى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ في القتل العمد استيفاء القصاص لا محالة ، وفي شرع عيسى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ العفو ، وأمّا في شرعنا: فإن شاء استوفى القصاص ، وإن شاء عفا عن الدّية ، وإن شاء عفا مطلقا.
وقيل : كان في شرع موسى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ الاحتراز العظيم عن الحائض ؛ حتّى إنّه يجب إخراجها من الدّار ، وفي شرع عيسى صلىاللهعليهوسلم حلّ وطئها ، والعدل ما حكم به شرعنا ؛ وهو تحريم وطئها فقط.
وثالثها : قال ـ تعالى ـ : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) [البقرة : ١٤٣] وقال ـ جل