التوحيد ، ثمّ عقبه بذكر أحوال القيامة ، وصفة الأشقياء ، والسعداء ، أتبعه بذكر قصص الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ ، ليكون سماعها مرغّبا للعبادة الموجبة للفوز بدرجات الأولياء ، ومحذرا عن المعصية الموجبة لاستحقاق دركات الأشقياء.
فقوله : «ونبّئهم» ، هذا الضمير راجع إلى قوله عزوجل : «عبادي» ، أي : ونبّىء عبادي ، يقال : أنبأت القوم إنباء ونبّأتهم تنبئة إذا أخبرتهم.
قوله : «عن ضيف» ، أي [أضياف إبراهيم](١) ، والضّيف في الأصل مصدر ضاف يضيف : إذا أتى إنسانا يطلب القرى ، وهو اسم يقع على الواحد ، والاثنين ، والجمع ، والمذكر ، والمؤنّث.
فإن قيل : كيف سمّاهم ضيفا ، مع امتناعهم من الأكل؟.
فالجواب : لمن ظنّ إبراهيم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أنّهم إنّما دخلوا عليه لطلب الضّيافة ، جاز تسميتهم ذلك.
وقيل : من دخل [دار](٢) إنسان ، والتجأ إليه سمّي ضيفا ، وإن لم يأكل ، وكان إبراهيم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ يكنّى أبا الضيفان (٣) ، وكان لقصره أربعة أبواب ، لكي لا يفوته أحد.
وسمّي الضيف ضيفا ؛ لإضافته إليك ، ونزوله عليك.
قال القرطبي ـ رحمهالله ـ : «ضافه مال إليه ، وأضافه : [أماله](٤) ، ومنه الحديث : حين تضيف الشّمس للغروب. وضيفوفة السّهم ، والإضافة النّحوية».
قوله : (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ) في «إذ» وجهان :
أحدهما : أنه مفعول لفعل مقدر ، أي : اذكر إذ دخلوا.
والثاني : أنه ظرف على بابه ، وفي العامل فيه وجهان :
أحدهما : أنه محذوف ، تقديره : خبر ضيف.
والثاني : أنه نفس «ضيف» ، وفي توجيه ذلك وجهان :
أحدهما : أنه لما كان في الأصل مصدرا اعتبر ذلك فيه ، ويدلّ على اعتبار مصدريته بعد الوصف به : عدم مطابقته لما قبله تثنية ، وجمعا ، وتأنيثا في الأغلب ، ولأنه قائم مقام وصف ، والوصف يعمل.
والثاني : أنه على حذف مضاف ، أي : أصحاب ضيف إبراهيم ، أي : ضيافته ، فالمصدر باق على حاله ، فلذلك عمل.
__________________
(١) في ب : ضيافة.
(٢) في ب : بيت.
(٣) في ب : الأضياف.
(٤) في ب : أمال إليه.