قال الحسن وعكرمة : هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً)(١) [التوبة : ١٢٢] وقال المحقّقون : الصحيح أنّ هذه الآية خطاب لمن استنفرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلم ينفروا ، وعلى هذا فلا نسخ.
قوله : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ). هذا الشرط جوابه محذوف ، لدلالة قوله : (فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) عليه ، والتقدير : إلّا تنصروه فسينصره. وذكر الزمخشريّ فيه وجهين :
أحدهما : ما تقدّم. والثاني : قال «إنه أوجب له النّصرة ، وجعله منصورا في ذلك الوقت ، فلن يخذل من بعده». قال أبو حيّان : «وهذا لا يظهر منه جواب الشّرط ؛ لأنّ إيجاب النصرة له أمر سبق ، والماضي لا يترتّب على المستقبل والذي يظهر الوجه الأول». وهذا إعلام من الله أنّه المتكفل بنصر رسوله ، وإعزاز دينه ، أعانوه ، أو لم يعينوه ، وأنه قد نصره عند قلة الأولياء ، وكثرة الأعداء ، فكيف به اليوم وهو في كثرة من العدد والعدد.
وقوله : (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : أنهم جعلوه كالمضطر إلى الخروج من مكّة ، حين مكروا به وأرادوا تثبيته ، وهمّوا بقتله.
قوله (ثانِيَ اثْنَيْنِ) منصوب على الحال من مفعول «أخرجه» وقد تقدّم معنى الإضافة في نحو هذا التّركيب عند قوله : «ثالث ثلاثة».
وقرأت (٢) جماعة (ثانِيَ اثْنَيْنِ) بسكون الياء. قال أبو الفتح : «حكاها أبو عمرو».
ووجهها أنّ يكون سكّن الياء تشبيها لها بالألف وبعضهم يخصّه بالضرورة ، والمعنى : هو أحد الاثنين ، والاثنان أحدهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والآخر أبو بكر الصديق.
قوله : (إِذْ هُما فِي الْغارِ) «إذ» بدل من «إذ» الأولى ، والعامل فيها (فَقَدْ نَصَرَهُ). وقال أبو البقاء (٣) : «من منع أن يكون العامل في البدل هو العامل في المبدل منه ، قدّر عاملا آخر ، أي : نصره إذ هما في الغار». و «الغار» بيت يكون في الجبل ، وهو هنا بيت في جبل ثور بمكّة ، ويجمع على «غيران» ، ومثله : «تاج وتيجان» ، و «قاع وقيعان» ، والغار أيضا : نبت طيب الريح ، والغار أيضا : الجماعة والغاران : البطن ، والفرج. وألف «الغار» عن واو.
قوله : (إِذْ يَقُولُ) بدل ثان من «إذ» الأولى. وقال أبو البقاء : أي : إذ هما في الغار، و (إِذْ يَقُولُ) ظرفان ل (ثانِيَ اثْنَيْنِ).
فصل
عن ابن عمر أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لأبي بكر : «أنت صاحبي في الغار وصاحبي
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٧٣ ـ ٣٧٤) عن عكرمة والحسن وذكره الرازي في «تفسيره» (١٦ / ٥٠).
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٧٢ ، المحرر الوجيز ٣ / ٣٥ ، البحر المحيط ٥ / ٤٥ ، الدر المصون ٣ / ٤٦٥.
(٣) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ٢ / ١٥.