قال أبو حيان (١) : وهذا بعيد من دلالة اللفظ.
قال شهاب الدين (٢) : إنما كان بعيدا ؛ لأن المحذوف من غير الملفوظ به ، ولو قدره بقوله : «وكما أريناك يا محمد الهداية» ، لكان قريبا لدلالة اللفظ والمعنى معا عليه.
وقدّره أبو البقاء (٣) بوجهين :
أحدهما : قال : «هو نصب على إضمار «أريناه» تقديره : وكما رآه أباه وقومه في ضلال مبين ، أريناه ذلك ؛ أي : ما رآه صوابا بإطلاعنا إياه عليه».
الثاني : قال : «ويجوز أن يكون منصوبا ب «نرى» التي بعده على أنه صفة لمصدر محذوف ؛ تقديره نريه ملكوت السماوات والأرض رؤية كرؤية ضلال أبيه» انتهى.
قال شهاب الدين (٤) فقوله : «على إضمار أريناه» لا حاجة إليه ألبتّة ، ولأنه يقتضي عدم ارتباط قوله : (نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ) بما قبله.
الثاني : أنها للتّعليل بمعنى «اللام» أي : ولذلك الإنكار الصّادر منه عليهم ، والدعاء إلى الله في زمن كان يدعى فيه غير الله آلهة نريه ملكوت.
الثالث : أن «الكاف» في محلّ رفع على خبر ابتداء مضمر ، أي : والأمر كذلك ، أي كما رآه من ضلالتهم نقل الوجهين الآخرين أبو البقاء (٥) وغيره.
و «نري» هذا مضارع ، والمراد به حكاية حال ماضيه ، والتقدير : كذا نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض.
و «نري» يحتمل أن تكون المتعدّية لاثنين ؛ لأنها في الأصل بصرية ، فأكسبتها همزة النقل مفعولا ثانيا ، وجعلها ابن عطية (٦) منقولة من «رأى» بمعنى «عرف» ، وكذلك الزمخشري (٧) فإنه قال فيما قدمت حكايته عنه : «ومثل ذلك التعريف نعرّف».
قال أبو حيان (٨) بعد حكايته كلام ابن عطية : «ويحتاج كون «رأى» بمعنى «عرف» ثم يتعدى بالهمزة إلى مفعولين إلى نقل ذلك عند العرب ، والذي نقل النحويون أن «رأى» إذا كانت بصريّة تعدّت لمفعول ، وإذا كانت بمعنى «علم» الناصبة لمفعولين تعدّت إلى مفعولين».
قال شهاب الدّين (٩) : والعجب كيف خص بالاعتراض ابن عطية دون الزمخشري ، وهذه الجملة المشتملة على التشبيه ، أو التعليل معترضة بين قوله : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) منكرا
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٧٠.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٠٢.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ٢٤٨.
(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٠٢.
(٥) ينظر : الإملاء ١ / ١٤٩.
(٦) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣١١.
(٧) ينظر : الكشاف ٢ / ١٤٠.
(٨) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٧٠.
(٩) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٠٣.