أما قول أبي حيّان
: «وإنما قلق عند ابن عطية ؛ لأنه أراد بقاء (أَنْ أَقِيمُوا) على معناها من موضوع الأمر» ، فليس القلق عنده لذلك فقط
كما حصره الشيخ ، بل لأمر آخر من جهة اللفظ ، وهو أن السّياق التّركيبيّ يقتضي على
ما قاله الزجاج أن يكو ن «لنسلم وأن نقيم» ، فتأتي في الفعل الثاني بضمير المتكلم
، فلما لم يقل ذلك قلق عنده ، ويدلّ على [ما ذكرته] قول ابن عطية : «بمعنى : ولنقم ثم خرجت بلفظ الأمر» إلى آخره.
والخامس : أنه
محمول على المعنى ؛ إذ المعنى قيل لنا : أسلموا وأن أقيموا.
وقال الزجاج : فإن قيل : كيف حسن عطف قوله : (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ) على قوله (وَأُمِرْنا
لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ)؟.
فالجواب من وجهين
:
الأول : أن يكون
التقدير : وأمرنا لنسلم لرب العالمين ، ولأن نقيم الصلاة.
الثاني : أن يكون
التقدير : وأمرنا فقيل لنا أسلموا لربّ العالمين ، وأقيموا الصّلاة.
فإن قيل : هب أن
المراد ما ذكرتم ، لكن ما الحكمة في العدول عن هذا اللّفظ الظّاهر ، والتركيب
الموافق للعقل إلى ذلك اللفظ الذي لا يهتدي العقل إلى معناه ، إلّا بالتأويل؟!.
فالجواب : لأن
الكافر ما دام [يبقى] على كفره كان كالغائب الأجنبي ، فلا جرم خوطب بخطاب
الغائبين ، فيقال له : (وَأُمِرْنا
لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) فإذا أسلم [وآمن] ودخل في الإيمان صار كالقريب الحاضر ، فلا جرم خوطب بخطاب
الحاضرين ، ويقال له (وَأَنْ أَقِيمُوا
الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ) فالمقصود من ذكر هذين النوعين من الخطاب للتنبيه على الفرق
بين حالتي الكفر والإيمان ، وتقريره أن الكافر بعيد غائب ، والمؤمن قريب حاضر.
فصل في أنه لا هدى إلا هدى الله
اعلم أن الله ـ تعالى
ـ لما بيّن أوّلا أن الهدى النافع هو هدى الله ، أردف ذلك الكلام الكلّيّ بذكر
أشرف أقسامه على الترتيب ، وهو الإسلام ، وهو رئيس الطاعات الروحانية ، والصلاة التي
هي رئيسة الطاعات الجسمانيّة ، والتقوى التي هي رئيسة باب التروك والاحتراز عن كل
ما لا ينبغي ، ثم بيّن منافع هذه الأعمال ، فقال : (وَهُوَ الَّذِي
إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) يعني أن منافع هذه الأعمال إنما تظهر في يوم الحشر.
__________________