قلنا : التزيين من الشّيطان بالإغواء والإضلال والوسوسة وإيراد الشبه ، ومن الله تعالى بخلق جميع ذلك فصحت الإضافتان.
[٢٩٧] فإن قيل : كيف قال تعالى : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) [الأنعام : ١٣٠] ، والرسل إنما كانت من الإنس خاصة؟
قلنا : المراد برسل الجنّ هم الذين سمعوا القرآن من النبيّ صلىاللهعليهوسلم ثم ولّوا إلى قومهم منذرين ، كما قال تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) [الأحقاف : ٢٩] الآية.
الثاني : أنه كقوله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) [الرحمن : ٢٢] والمراد من أحدهما ؛ لأنه إنما يخرج من الملح.
والثالث : أنّه بعث إليهم رسل منهم ، قاله الضّحّاك ومقاتل.
[٢٩٨] فإن قيل : كيف ذكر شهادتهم على أنفسهم في قوله تعالى : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) [الأنعام : ١٣٠] الآية ، والمعنى فيهما واحد؟
قلنا : المعنى المشهود به متعدد وإن كان في الشهادة واحدا ، إلا أنهم في الأولى شهدوا على أنفسهم بتبليغ الرسل وإنذارهم ، وفي الثانية شهدوا على أنفسهم بالكفر وهما متغايران.
[٢٩٩] فإن قيل : كيف أقروا في هذه الآية بالكفر وشهدوا على أنفسهم به وجحدوه في قولهم : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣].
قلنا : مواقف القيامة ومواطنها مختلفة ، ففي بعضها يقرون وفي بعضها يجحدون ، أو يكون المراد هنا شهادة أعضائهم عليهم حين يختم على أفواههم كما قال تعالى : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ) [يس : ٦٥].
[٣٠٠] فإن قيل : ما فائدة قوله تعالى : (سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الأنعام : ١٤٠] والسفه لا يكون إلا عن جهل؟
قلنا : معنى قوله : (بِغَيْرِ عِلْمٍ) بغير حجة.
وقيل : بغير علم بمقدار قبحه ، ومقدار العقوبة فيه ؛ وعلى الوجهين لا يكون مستفادا من الأوّل.
[٣٠١] فإن قيل : ما فائدة قوله تعالى : (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) [الأنعام : ١٤٠] بعد قوله : (قَدْ ضَلُّوا) [الأنعام : ١٤٠]؟
__________________
[٢٩٧] الضّحّاك : هو الضّحّاك بن مزاحم البلخي الخراساني ، أبو القاسم. مفسّر اشتغل بتأديب الأطفال ، وكانت له مدرسة تضمّ عددا كبيرا منهم. توفي بخراسان سنة ١٠٥ ه. ألّف كتابا في التفسير.