(تَرى كَثِيراً
مِنْهُمْ) [المائدة : ٨٠]
الآية لا شامل لجميعهم.
[٢٥٠] فإن قيل : كيف قال : (إِنَّمَا الْخَمْرُ
وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) [المائدة : ٩٠]
وهذه الأعيان كلها مخلوقات لله تعالى فأين عمل الشيطان في وجودها؟
قلنا
: فيه إضمار تقديره
: إنما تعاطي الخمر والميسر إلى آخره أو مباشرته إلخ.
[٢٥١] فإن قيل : مع هذا الإضمار كيف قال من عمل الشيطان ، وتعاطي
الخمر والقمار ونحوهما من عمل الإنسان حقيقة؟
قلنا
: إنما أضيف إلى
الشيطان مجازا ؛ لأنه هو السبب في وجود الفعل بواسطته ووسوسته وتزيينه ذلك للفساق
فصار كما لو أغرى رجل رجلا بضرب آخر فضربه ، فإنه يجوز أن يقال للمغري هذا من
عملك.
[٢٥٢] فإن قيل : كيف جمع الخمر والميسر والأنصاب والأزلام في
الآية الأولى ، ثم خص الخمر والميسر في الآية الثانية؟
قلنا
: لأن العداوة
والبغضاء بين الناس تقع كثيرا بسبب الخمر والميسر وكذلك يشتغلون بهما عن الطاعة ،
بخلاف الأنصاب والأزلام فإن هذه المفاسد لا توجد فيها ، وإن كانت فيها مفاسد أخر.
وقيل : إنما كرّر ذكر الخمر والميسر فقط لأن الخطاب للمؤمنين ؛
بدليل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا) [المائدة : ٩٤]
وهم إنما يتعاطون الخمر والميسر فقط ، وإنما جمع الأربعة في الآية الأولى إعلاما
للمؤمنين أن هذه الأربعة من أعمال الجاهلية ، وإنه لا فرق بين من عبد صنما أو أشرك
بالله تعالى بدعوى علم الغيب ، وبين من شرب الخمر أو قامر مستحلا لهما.
[٢٥٣] فإن قيل : كيف يحسن أن يفعل الله تعالى فعلا يتوسل به إلى
تحصيل علم حتى قال : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ
أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ) [المائدة : ٩٤]؟
قلنا
: معناه ليميز الله
الخائف من غير الخائف عند الناس. وقيل : معناه ليعلم عباد الله من يخافه بالغيب وهو قريب من الأول.
وقيل : معناه ليعلم الخوف واقعا كما علمه منتظرا.
[٢٥٤] فإن قيل : كيف قال : (وَمَنْ قَتَلَهُ
مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ)
__________________