قَلِيلاً
وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) [الأنفال : ٤٤] ؛
لأنّه يدلّ على أنّ الفئتين تساوتا في استقلال كلّ واحدة منهما للأخرى. فكلّ منهما
ترى الأخرى قليلة؟
قلنا
: التقليل
والتّكثير في حالين مختلفين. قلّل الله المشركين في نظر المؤمنين أوّلا ،
والمؤمنين في نظر المشركين ؛ حتّى اجترأت كلّ فئة على قتال صاحبتها. فلمّا التقتا
، كثّر الله المؤمنين في نظر المشركين ؛ حتّى جبنوا وفشلوا ؛ فغلبوا. وكثّر الله
المشركين في نظر المؤمنين ، أو أراهم إيّاهم على ما هم عليه ، وكانوا في الحقيقة
أكثر من المؤمنين ، ليعلموا صدق ما وعدهم الله تعالى ، بقوله : (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ
صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) [الأنفال : ٦٦]
الآية ، فإن المؤمنين غلبوهم في هذه الغزاة وهي غزاة بدر. مع أنّهم كانوا أضعاف
عدد المؤمنين.
وقيل : أرى الله المسلمين المشركين مثل عدد المسلمين ، وكانوا
ثلاثة أمثالهم ؛ لكنه قلّلهم في أعين المسلمين ؛ وأراهم إياهم بقدر ما أعلمهم أنّهم
يغلبونهم ، لتقوى قلوبهم بما سبق من الوعد أنّ المائة ، من المؤمنين ، يغلبون
المائتين ، منهم.
[٩٣] فإن قيل : ما فائدة تكرار قوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) في قوله : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا
إِلهَ إِلَّا هُوَ) [آل عمران : ١٨]؟
قلنا
: الأوّل قول الله عزوجل ، والثاني حكاية قول الملائكة وأولي العلم.
وقال جعفر الصادق
، رحمهالله تعالى : الأوّل وصف ، والثّاني تعليم. أي قولوا واشهدوا ،
كما شهدت.
[٩٤] فإن قيل : ما فائدة قوله تعالى : (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) ؛ في قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ
لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [آل عمران : ٢٣] ؛
والتّولّي والإعراض واحد ، كما سبق في البقرة ؛ فلم جمع بينهما؟
قلنا
: معناه : يتولّون
عن الدّاعي ، ويعرضون عمّا دعاهم إليه ، وهو كتاب الله ؛ أو يتولون بأبدانهم ،
ويعرضون عن الحقّ بقلوبهم ؛ أو كان الّذين تولّوا علماءهم والذين أعرضوا أتباعهم.
__________________