[٤٨٢] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) [يوسف : ٢٦] ولم يكن قوله شهادة؟
قلنا : لما أدى معنى الشهادة في ثبوت قول يوسف عليهالسلام وبطلان قولها سمي شهادة ، فالمراد بقوله شهد : أعلم وبيّن وحكم.
[٤٨٣] فإن قيل : (قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ) [يوسف : ٢٨] يدل على أنها كاذبة وأنها هي التي تبعته وجذبت قميصه من خلفه فقدّته ، وأما قدّه من قبل فكيف يدل على أنها صادقة؟
قلنا : يدل من وجهين :
أحدهما : أنه إذا كان طالبها وهي تدفعه عن نفسها بيدها أو برجلها فإنها تقد قميصه من قبل بالدفع.
الثاني : أنه يسرع خلفها وهي هاربة منه فيعثر في مقادم قميصه فيشقه. ويرد على الوجه الثاني أنه مشترك الدلالة من جهة العثار الذي هو نتيجة الإسراع ؛ لأنه يحتمل أن يكون إسراعا في الهرب منها وهي خلفه فيعثر فينقد قميصه من قبل.
[٤٨٤] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَ) [يوسف : ٣١] ، وإنما يقال خرجت إلى السوق وطرقت عليه الباب فخرج إلي؟
قلنا : إذا كان الخروج بقهر وغلبة أو بجمال وزينة أو بآية وأمر عظيم فإنما يعدّى بعلى ، ومنه قولهم خرج علينا في السفر قطّاع الطريق ، وقوله تعالى : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) [القصص : ٧٩] وقوله تعالى : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ) [مريم : ١١].
[٤٨٥] فإن قيل : كيف شبهن يوسف عليهالسلام بالملك فقلن : (ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) [يوسف : ٣١] وهن ما رأين الملائكة قط؟
قلنا : إن كن ما رأين الملائكة فقد سمعن وصفها.
الثاني : أن الله تعالى قد ركز في الطباع حسن الملائكة كما ركز فيها قبح الشيطان ، ولذلك يشبه كل متناه في الحسن بالملك ، وكل متناه في القبح بالشيطان.
[٤٨٦] فإن قيل : كيف قال يوسف عليهالسلام : (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) [يوسف : ٣٧] وترك الشيء إنما يكون بعد ملابسته والكون فيه ، يقال ترك فلان شرب الخمر وأكل الربا ونحو ذلك إذا كان فيه ثم أقلع عنه ، ويوسف عليهالسلام لم يكن على ملة الكفار قط؟
قلنا : الترك نوعان : ترك بعد الملابسة ويسمى ترك انتقال ، وترك قبل الملابسة ويسمى ترك إعراض كقوله تعالى في قصة موسى عليهالسلام : (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) [الأعراف : ١٢٧] وموسى عليهالسلام ما لابس عبادة فرعون ولا عبادة آلهته في وقت