[٣٨٥] فإن قيل : الشهر مذكر فقياسه فيها؟
قلنا : الضمير بالهاء والنون لا يختص بالمؤنث ، ولو اختص فالمراد بقوله (فِيهِنَ) ساعات الأشهر وهي مؤنثة.
[٣٨٦] فإن قيل : كيف قال تعالى : (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) والإنسان لا يظلم نفسه ؛ بل يظلم غيره؟
قلنا : لا نسلم أنه لا يظلم نفسه قال الله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) [النساء : ١١٠] وقال الله تعالى : (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [الطلاق : ١].
الثاني : أن معناه فلا يظلم بعضكم بعضا كما قال تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) [البقرة : ٨٤] وقال تعالى : (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ٥٤] وقال تعالى : (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) [الحجرات : ١١].
الثالث : أن معناه فلا تنقصوا حظ أنفسكم من الآخرة بالمعصية ، فإن من عصى فقد ظلم نفسه بنقصه ثوابها وتوجيه العقاب والذم إليها ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [الطلاق : ١].
الرابع : أن كل ظالم لغيره فهو ظالم لنفسه في الحقيقة ؛ لأن ضرر ظلمه في حق المظلوم ينقطع عن قريب ؛ لأنه لا يتعدى الدنيا ، وضرر ظلمه في حقّ نفسه يراه في الآخرة حيث لا ينقطع ، أو يكون أشد وأدوم.
[٣٨٧] فإن قيل : قوله تعالى : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) [التوبة : ٣٧] يدل على قبول الكفر للزيادة والنقصان ، فكذلك الإيمان الذي هو ضده ، فيكون حجة للشافعي رحمة الله عليه في قوله : الإيمان يقبل الزيادة والنقصان.
قلنا : معناه زيادة معصية في الكفر.
[٣٨٨] فإن قيل : قوله تعالى : (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة : ٤٤] إن كان نهيا فأين الجزم؟ وإن كان نفيا فقد وقع المنفي ؛ لأن كثيرا من المؤمنين المخلصين استأذنوه في التخلف عن الجهاد لعذر ، ويعضده قوله تعالى :
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) [النور : ٦٢] فقيل إن المراد به كل أمر طاعة اجتمعوا عليه كالجهاد والجمعة والعيد ونحوها؟
__________________
[٣٨٧] الشافعي : هو محمد بن إدريس بن العبّاس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي المطلبي ، أبو عبد الله ، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة ، وإليه ينسب المذهب الشافعي. ولد سنة ١٥٠ ه وتوفي سنة ٢٠٤ ه. من مؤلفاته : الأم ، المسند ، أحكام القرآن ، السنن ، الرّسالة ، الخ.