وينبغي إذا جعلا مفعولا من أجله أن يقدّر إسنادهما إلى الله ـ تعالى ـ لا إلى الإنجيل ليصح النصب ، فإن شرطه اتحاد المفعول له مع عامله فاعلا وزمانا ، ولذلك لما اختلف الفاعل في قوله : (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ) عدّي إليه باللام ، ولأنه خالفه أيضا في الزمان ، فإن زمن الحكم مستقبل وزمن الأنبياء ماض ، بخلاف الهداية والموعظة ، فإنهما مقارنان في الزمان للإيتاء.
و «للمتقين» يجوز أن يكون صفة ل «موعظة» ، ويجوز أن تكون «اللام» زائدة مقوية ، و «المتقين» مفعول ب «موعظة» ، ولم تمنع تاء التأنيث من عمله ؛ لأنه مبنيّ عليها ؛ كقوله : [الطويل]
١٩٧٠ ـ ... ورهبة |
|
عقابك ... (١) |
وقد تقدم الكلام على «الإنجيل» واشتقاقه وقراءة الحسن فيه بما أغنى عن إعادته.
وقرأ الضّحّاك بن مزاحم (٢) : «وهدى وموعظة» بالرفع ، ووجهها أنها خبر ابتداء مضمر ، أي : وهو هدى وموعظة.
فصل
قال ابن الخطيب (٣) : هنا سؤالات :
الأول : أنه ـ تعالى ـ وصف عيسى ابن مريم بكونه مصدقا لما بين يديه من التوراة ، وإنما يكون كذلك ، إذا كان [عمله على شريعة التوراة ، ومعلوم أنه لم يكن](٤) كذلك فإن شريعة عيسى كانت مغايرة لشريعة موسى عليهماالسلام ، ولذلك قال تعالى في آخر هذه الآية : (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ) [المائدة : ٤٧] فكيف الجمع بينهما؟
والجواب : كون عيسى عليه الصلاة والسلام مصدقا للتوراة ، أقر بأنه كتاب منزل من عند الله تعالى ، وأنه كان حقّا واجب العمل به قبل ورود النّسخ.
الثاني : لم كرر كونه مصدقا لما بين يديه؟
والجواب : ليس فيه تكرار ، إلا أنّ في الأول أنّ المسيح يصدق التوراة ، وفي الثاني : الإنجيل يصدق التوراة.
الثالث : ما معنى وصفه الإنجيل بهذه الصفات الخمسة فقال «[فيه](٥) هدى ونور ، ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين»؟
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٩٩ ، والبحر المحيط ٣ / ٥١١ ، والدر المصون ٢ / ٥٣٥.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١٢ / ٩.
(٤) سقط في أ.
(٥) سقط في أ.