وإليه ذهب الزمخشريّ (١) ، قال : «وقيل : إلى الكعبين» فجيء بالغاية إماطة لظن ظانّ يحسبهما ممسوحة ؛ لأنّ المسح لم تضرب له غاية في الشريعة.
وكأنّه لم يرتض هذا القول الدافع لهذا الوهم ، وهو كما قال.
التخريج الرابع : أنها (٢) مجرورة بحرف جر مقدر ، دلّ عليه المعنى ، ويتعلّق هذا الحرف بفعل محذوف أيضا يليق بالمحلّ ، فيدّعى حذف جملة فعلية وحذف حرف جر ، قالوا : وتقديره : «وافعلوا بأرجلكم غسلا».
قال أبو البقاء (٣) : وحذف حرف الجرّ ، وإبقاء الجرّ جائز ؛ كقوله : [الطويل]
٩٤٢ ـ مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة |
|
ولا ناعب إلّا ببين غرابها (٤) |
وقال الآخر : [الطويل]
١٩٤٣ ـ بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى |
|
ولا سابق شيئا إذا كان جائيا (٥) |
فجر بتقدير الباء ، وليس بموضع ضرورة.
قوله : وإبقاء [الجرّ](٦) ليس على إطلاقه ، وإنّما يطرد منه مواضع نصّ عليها أهل اللّسان ليس هذا منها.
وأمّا البيتان فالجرّ فيهما عند النّحاة يسمّى العطف على التوهّم (٧) يعني كأنّه توهم وجود الباء زائدة في خبر «ليس» ، لأنها يكثر زيادتها ، ونظّروا ذلك بقوله تعالى : (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) [المنافقون : ١٠] بجزم «أكن» عطفا على «فأصّدق» على توهّم سقوط الفاء من «فأصدّق» نص عليه سيبويه وغيره ، فظهر فساد هذا التخريج.
وأما قراءة الرّفع فعلى الابتداء ، والخبر محذوف ، أي : وأرجلكم مغسولة ، أو ممسوحة على ما تقدّم في حكمها [والكلام](٨) في قوله (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) كالكلام في «إلى المرفقين».
«والكعبان» فيهما قولان [مشهوران](٩).
أشهرهما (١٠) : أنّهما العظمان الناتئان عند مفصل السّاق والقدم في كل رجل كعبان.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ١ / ٦١١.
(٢) في أ : إنما هي.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ٢١٠.
(٤) تقدم.
(٥) البيت لزهير. ينظر : ديوانه (٢٨٧) ، الكتاب ١ / ٨٣ ، ابن يعيش ٢ / ٥٢ ، الدرر اللوامع ٢ / ١٠٥ ، الدر المصون ٢ / ٤٩٦.
(٦) سقط في أ.
(٧) في أ : المتوهم.
(٨) سقط في أ.
(٩) سقط في أ.
(١٠) في أ : أظهرهما.