الوجه الثالث : نصبه على المدح.
قال الزمخشري : فإن قلت : أليس من حق المنتصب على المدح أن يكون معرفة ، كقولك : الحمد لله الحميد ، «إنّا ـ معشر الأنبياء ـ لا نورث» (١) ، وقوله : [البسيط]
١٣٦٨ ـ إنّا ـ بني نهشل ـ لا ندعي لأب |
|
.......... (٢) |
قلت : قد جاء نكرة كما جاء معرفة ، وأنشد سيبويه ـ مما جاء منه نكرة ـ قول الهذليّ : [المتقارب]
١٣٦٩ ـ ويأوي إلى نسوة عطّل |
|
وشعثا مراضيع مثل السّعالي (٣) |
قال أبو حيان : «انتهى هذا السؤال وجوابه ، وفي ذلك تخليط ؛ وذلك أنه لم يفرّق بين المنصوب على المدح ، أو الذم ، أو الترحم ، وبين المنصوب على الاختصاص ، وجعل حكمها واحدا ، وأورد مثالا من المنصوب على المدح ، وهو الحمد لله الحميد ، ومثالين من المنصوب على الاختصاص ، وهما : «إنّا ـ معشر الأنبياء ـ لا نورث» (٤) ، وقوله : «إنّا ـ بني نهشل ـ لا ندّعي لأب» والذي ذكره النحويون أن المنصوب على المدح أو الذم أو الترحّم ، قد يكون معرفة ، وقبله معرفة ـ يصلح أن يكون تابعا لها ، وقد لا يصلح ـ وقد يكون نكرة وقبله معرفة ، فلا يصلح أن يكون نعتا لها.
نحو قول النابغة :
١٣٧٠ ـ أقارع عوف ، لا أحاول غيرها |
|
وجوه قرود تبتغي من تجادع (٥) |
فنصب «وجوه قرود» على الذم ، وقبله معرفة ، وهي «أقارع عوف» ، وأما المنصوب على الاختصاص فنصوا على أنه لا يكون نكرة ، ولا مبهما ، ولا يكون إلا معرّفا بالألف واللام ، أو بالإضافة ، أو بالعلميّة ، أو لفظ «أي» ، ولا يكون إلا بعد ضمير متكلم مختص
__________________
(١) تقدم تخريجه قريبا.
(٢) البيت لبشامة بن حزن النهشلي وهو صدر بيت وعجزه :
عنه ولا هو بالأبناء يشرينا
ينظر الشذور ٦٧٤ والحماسة ١ / ١٠٢ والمؤتلف ٦٦ والكامل ٦٥ والكشاف ١ / ٤١٧ ، ٢ / ٥٢٦ وابن يعيش ٦ / ١٠١ ورغبة الآمال ٢ / ٦٦ والدر المصون ٢ / ٤٣.
(٣) البيت لأمية بن أبي عائذ الهذلي في خزانة الأدب ٢ / ٤٢ ، ٤٣٢ ، ٥ / ٤٠ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٤٦ ، وشرح أشعار الهذليين ٢ / ٥٠٧ ، وشرح التصريح ٢ / ١١٧ ، والكتاب ١ / ٣٩٩ ، ٢ / ٦٦ ، ولأبي أمية في المقاصد النحوية ٤ / ٦٣ ، وللهذلي في شرح المفصل ٢ / ١٨ ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١ / ٣٢٢ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣١٧ ، ورصف المباني ص ٤١٦ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٠٠ ، والمقرب ١ / ٢٢٥ وينظر الدر المصون ٢ / ٤٤.
(٤) تقدم.
(٥) تقدم برقم ٦٩٩.