كان الرجل يعاقد الرجل فيقول : دمى دمك ، وهدمي هدمك (١) ، وثأرى ثأرك ، وحربى حربك ، وسلمى سلمك ، وترثني وأرثك ، وتطلب بى وأطلب بك ، وتعقل عنى وأعقل عنك ، فيكون للحليف السدس من ميراث الحليف ، فنسخ. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب يوم الفتح فقال «ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به ، فإنه لم يزده الإسلام إلا شدة ، ولا تحدثوا حلفا في الإسلام (٢)» وعند أبى حنيفة : لو أسلم رجل على يد رجل وتعاقدا على أن يتعاقلا ويتوارثا صح عنده وورث بحق الموالاة خلافا للشافعي. وقيل : المعاقدة التبني. ومعنى عاقدت أيمانكم : عاقدتهم أيديكم وماسحتموهم. وقرئ (عَقَدَتْ) بالتشديد والتخفيف بمعنى عقدت عهودهم أيمانكم.
(الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً)(٣٤)
(قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) يقومون عليهن آمرين ناهين ، كما يقوم الولاة على الرعايا. وسموا قوّما لذلك. والضمير في (بَعْضَهُمْ) للرجال والنساء جميعاً ، يعنى إنما كانوا مسيطرين عليهن بسبب تفضيل الله بعضهم وهم الرجال ، على بعض وهم النساء. وفيه دليل على أنّ الولاية إنما تستحق بالفضل ، لا بالتغلب والاستطالة والقهر. وقد ذكروا في فضل الرجال : العقل ، والحزم ، والعزم ، والقوّة ، والكتابة ـ في الغالب ، والفروسية ، والرمي ، وأنّ منهم الأنبياء والعلماء ، وفيهم الإمامة الكبرى والصغرى ، والجهاد ، والأذان ، والخطبة ، والاعتكاف ، وتكبيرات التشريق عند أبى حنيفة ، والشهادة في الحدود ، والقصاص ، وزيادة السهم ، والتعصيب في الميراث ، والحمالة ، والقسامة ، والولاية في النكاح والطلاق والرجعة ، وعدد الأزواج ، وإليهم الانتساب ، وهم أصحاب اللحى والعمائم (وَبِما أَنْفَقُوا) وبسبب ما أخرجوا في نكاحهنّ من أموالهم في المهور
__________________
(١) قوله «دمى دمك وهدمي هدمك» في الصحاح الهدم ـ بالتحريك ـ : ما تهدم من جوانب البئر فسقط فيها. ويقال : دماؤهم بينهم هدم : أى هدر. وهدم أيضا بالتسكين ، إذا لم يودوا. (ع)
(٢) هو مركب من حديثين أخرجهما الطبري من حديث قيس بن عاصم «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به» ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم الفتح : فوا بالحلف ، فانه لا يزيده الإسلام إلا شدة. ولا تحدثوا حلفاً في الإسلام» وفي الباب عن جبير بن مطعم رفعه : «لا حلف في الإسلام» أخرجاه.