ليعلم أن حكم الجماعة حكم الثنتين بغير تفاوت. وقيل : إن الثنتين أمس رحما بالميت من الأختين فأوجبوا لهما ما أوجب الله للأختين ، ولم يروا أن يقصروا بهما عن حظ من هو أبعد رحما منهما. وقيل : إن البنت لما وجب لها مع أخيها الثلث كانت أحرى أن يجب لها الثلث إذا كانت مع أخت مثلها ، ويكون لأختها معها مثل ما كان يجب لها أيضا مع أخيها لو انفردت معه ، فوجب لهما الثلثان (وَلِأَبَوَيْهِ) الضمير للميت. و (لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا) بدل من (لِأَبَوَيْهِ) (١) بتكرير العامل. وفائدة هذا البدل أنه لو قيل : ولأبويه السدس ، لكان ظاهره اشتراكهما فيه. ولو قيل : ولأبويه السدسان ، لأوهم قسمة السدسين عليها على التسوية وعلى خلافها. فإن قلت : فهلا قيل : ولكل واحد من أبويه السدس : وأى فائدة في ذكر الأبوين أوّلا ، ثم في الإبدال منهما؟ قلت : لأنّ في الإبدال والتفصيل بعد الإجمال تأكيدا وتشديدا ، كالذي تراه في الجمع بين المفسر والتفسير. والسدس : مبتدأ ، وخبره : لأبويه. والبدل متوسط بينهما للبيان. وقرأ الحسن ونعيم بن ميسرة (السُّدُسُ) بالتخفيف ، وكذلك الثلث والربع والثمن. والولد : يقع على الذكر والأنثى ، ويختلف حكم الأب في ذلك. فإن كان ذكراً اقتصر بالأب على السدس ، وإن كانت أنثى عصب مع إعطاء السدس. فإن قلت : قد بين حكم الأبوين في الإرث (٢) مع الولد ؛ ثم حكمهما مع
__________________
(١) قال محمود «لكل واحد منهما بدل من لأبويه بتكرير العامل ... الخ» قال أحمد : وفي إعرابه بدلا نظر ، وذلك أنه يكون على هذا التقدير من بدل الشيء من الشيء ، وهما كعين واحدة ، ويكون أصل الكلام : والسدس لأبويه لكل واحد منهما ، ويقتضى الاقتصار على المبدل منه التشريك بينهما في السدس ، كما قال : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) فاقتضى اشتراكهن فيه ، فيقتضى البدل ـ لو قدر إهدار الأول ـ إفراد كل واحد منهما بالسدس وعدم التشريك ، وهذا يناقض حقيقة هذا النوع من البدل ، لأنه يلزم في هذا النوع أن يكون مؤدى المبدل والبدل واحدا. وإنما فائدته التأكيد بمجموع الاسمين لا غير بلا زيادة معنى ، فإذا تحقق ما بينهما من التباين تعذرت البدلية المذكورة ، وليس من بدل التقسيم أيضا على هذا الاعراب ، وإلا لزم زيادة معنى في البدل. فالوجه ـ والله أعلم ـ أن يقدر مبتدأ محذوف كأنه قيل : ولأبويه الثلث ثم لما ذكر نصيبهما مجملا ، فصله بقوله : (لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) وساغ حذف المبتدإ لدلالة التفصيل عليه ضرورة ، إذ يلزم من استحقاق كل واحد منهما للسدس استحقاقهما ، والله أعلم. ولا يستقيم على هذا الوجه أيضا جعله من بدل التقسيم. ألا نراك لو قلت : الدار كلها لثلاثة : لزيد ، ولعمرو ، ولخالد : كان هذا بدلا وتقسيما صحيحا ، لأنك لو حذفت المبدل منه فقلت : الدار لزيد ولعمرو ولخالد ، ولم تزد في البدل زيادة ، استقام. فلو قلت : الدار لثلاثة : لزيد ثلثها ، ولعمرو ثلثها ، ولخالد ثلثها ، لم يستقم بدل تقسيم إذ لو حذفت المبدل منه لصار الكلام : الدار لزيد ثلثها ، ولعمرو ثلثها ، ولخالد ثلثها. فهذا كلام مستأنف ، لأنك زدت فيه معنى تمييز ما لكل واحد منهم ، وذلك لا يعطيه المبدل ولا سبيل في بدل الشيء من الشيء إلى زيادة معنى. (٢) عاد كلامه. قال محمود : «فان قلت قد بين حكم الأبوين والإرث ... الخ» قال أحمد : ومذهب ابن عباس أن الاخوة يأخذون السدس الذي حجبوا الأم عنه مع وجود الأب ، فعلى هذا يكون فائدة قوله : (وَوَرِثَهُ أَبَواهُ) الاحتراز مما لو ورثه الاخوة مع الأبوين ، فان الأم لها حينئذ السدس ، وكأنه قيل : وورثه أبواه ولم يكن ثم إخوة فلأمه الثلث ، فان كان له إخوة فلأمه السدس. ولا يمكن جعله على مذهب ابن عباس مقيداً بعدم الزوجين ، لأن ثلث الأم عنده لا يتغير بوجود واحد منهما ، والله الموفق.